دور العلم والفلسفة في تأجيج الصراعات

 دور العلم والفلسفة في تأجيج الصراعات

======================


قد يتوهم البسطاء من المثقفين وأصحاب دكاكين الأوهام والأحلام والأمنيات أن العلم والفلسفة ما هما إلا أدوات للسلام المطلق، وهو عين العبث. هذا الاعتقاد يتعارض مع الحقيقة بشكل كبير. فالعلم، بقدر ما يخدم البشرية، هو نفسه من أنتج كافة الأسلحة الفتاكة المدمرة التي تبيد الإنسان، وليست قنبلة هيروشيما ببعيد، كما أن القنابل التي تفتك بالشعب الفلسطيني ليل نهار ما هي إلا شاهد عيان بسيط على هذا الدور المدمر.

أما الفلسفة، بكل تجلياتها ومخرجاتها من علمانية وحداثة وما بعد الحداثة، لم تكن دائمًا منارة للسلام. بل أحيانًا كرّست لمفهوم الأسياد القادرين، وعلى الباقي الانصياع، أو حتى الرجوع إلى العصور الحجرية. لنتذكر الديكتاتور الأعظم هتلر؛ فبعض الدراسات أرجعت سبب تصرفاته مع الدول الأخرى إلى تأثره بفلسفة داروين ونظرية النشوء والارتقاء. وكذلك فلسفة نيتشه، القائل "موت الإله"، وصاحب نظرية "الإنسان السوبر" الذي يرى ما دونه مجرد خدم، تشير إلى كيف يمكن للأفكار الفلسفية أن تشكل أساسًا لصراعات الهيمنة والتفوق.

لكن من الضروري التأكيد على أن هذا لا يعني أن العلم والفلسفة أدوات شريرة بطبيعتها. فالعلم أيضًا قدم حلولًا طبية أنقذت ملايين الأرواح، ومهّد لتطورات تقنية حسّنت جودة الحياة. والفلسفة من جانبها وفرت أطرًا للتفكير النقدي، وأسست لمفاهيم العدالة وحقوق الإنسان، وساعدت في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا وتعاونًا. الصراع ليس نابعًا من العلم والفلسفة بحد ذاتهما، بل من الكيفية التي تُستخدم بها هذه الأدوات، ومن التفسيرات والانحرافات التي تطرأ على تطبيقاتها البشرية.


التفرقة الجوهرية: الصراع مقابل التنافس

لا بد من التفرقة الواضحة بين الصراع والتنافس. كثيرًا ما يتم الخلط بينهما، لكن الفرق جوهري:

  • الصراع: يكون ممزوجًا بـالكراهية والرغبة في سحق الآخر ومحوه بكل الطرق، المشروعة منها وغير المشروعة. أعلى درجات الصراع هي الحرب. يهدف الصراع إلى إقصاء الطرف الآخر وتدميره.

  • التنافس: هو محاولة الوصول لأعلى الدرجات في كل المجالات دون كراهية. يقوم على مبدأ التفوق الشخصي أو الجماعي ضمن إطار من الاحترام وقواعد اللعب. نجد هذا بوضوح في المجالات العلمية الحقيقية والرياضة الحقيقية، حيث يتنافس الأفراد والفرق لتحقيق الأفضل، ولكن دون تمني زوال الآخر أو تدميره.

حديثنا هنا ينصب على الصراع الممزوج بالكراهية، والذي يتجاوز مجرد التنافس الشريف.


الصراع والأمراض النفسية

هل المريض النفسي يمكن أن يدخل في صراع؟ في المعظم لا؛ لأنه ينحو بذاته داخل ذاته لأسباب تخصه، أي أن صراعاته غالبًا ما تكون داخلية وليست موجهة نحو الآخرين بنفس القدر.

هل السيكوباتي يدخل في صراع مع الآخرين؟ الإجابة القاطعة لا؛ لأنه يحتاج الآخرين في ممارسة سيكوباتيته عليهم ويتمتع بها. صراعه ليس صراع مواجهة أو كراهية بالمعنى التقليدي، بل هو استغلال وتلاعب.

هل المازوخي يدخل في صراع مع الآخرين؟ الإجابة النافية القاطعة لا؛ لأنه يعشق ويتلذذ بتعذيب الآخرين له، أي أن الصراع بالنسبة له قد يكون مصدرًا للمتعة أو التأكيد الذاتي بطريقة مرضية.

هذا يوضح أن الصراع الذي نتحدث عنه هو شكل معين من التفاعل البشري الذي تغذيه الكراهية والرغبة في الإقصاء، وهو يختلف عن حالات عدم التوافق أو التفاعل التي قد تنتج عن اضطرابات نفسية معينة.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.