من الاشتراكية إلى الحداثة (بين قوسين): تحولات الفكر الثقافي في مصر

  1. من الاشتراكية إلى الحداثة (بين قوسين):
  2.  تحولات الفكر الثقافي في مصر

=========






في ستينيات القرن العشرين، ومع التقارب الوثيق بين مصر والاتحاد السوفيتي، تصدر المشهد الثقافي في كل مكان أصحاب الفكر اليساري بتنويعاته المختلفة. كانت مفردات مثل "رفيق" و"رفقاء" و"الاشتراكي" شائعة في الخطاب العام والأعمال الفنية. الآن، ونظرًا للتقارب الذي يصل إلى حد التماهي بين مصر وأمريكا وأوروبا الغربية، نشهد تصدر أصحاب فكر اليمين المتطرف للمشهد الثقافي. لذا، نجد كلمات مثل "الحداثة" و"حقوق الإنسان" و"الحرية" و"الديمقراطية" تتردد بكثرة في إنتاجهم. ولكن، والحق يقال رغم اختلافي مع أصحاب اليسار، فقد كانوا يحملون فكرًا مهمًا، حتى مع ما قد شاب بعضه من تطرف أو أوهام. أما أصحاب الفكر اليميني الحالي، فلا يبدو أنهم يعرفون من هذه المفاهيم إلا قشورها اللفظية، وغالبًا ما يركزون على الترويج للذة الحسية، التي يعتبر الحرام منها أفضل في كثير من الأحيان. إنهم يرددون كلمات ربما لا يستوعبون معناها الحقيقي، بينما يتسم الكل - يسارًا ويمينًا - بنزعة فاشية إقصائية إلى أقصى حد، حيث يدور الجميع في فلك الحاكم. والمثير للسخرية أن بعض أصحاب اليسار السابقين تحولوا إلى تبني أفكار اليمين الحالي بسهولة، وكأنهم يغيرون قمصانهم فقط. من الآخر، يبدو أننا نفتقر إلى أصحاب فكر مستقل حقيقي إلا قلة قليلة، وهم في النهاية أفراد وليسوا تيارًا عامًا مؤثرًا. قد يعترض البعض قائلًا: "ارحمنا يا عم، ثقافة إيه وفكر إيه؟" وردي البسيط هو: اربط هذا المشهد المتغير بتصريحات رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، وبمحتوى قناة مزيكا وأفلام السبكي، وبما تبثه العديد من الشاشات يوميًا من سخائم وقاذورات فكرية على عقول المتلقين، ستدرك حينها قصدي.

بالنظر إلى التحولات العميقة في المشهد الثقافي المصري، يمكننا استكشاف الأسباب الجذرية لهذه التغيرات. فبالإضافة إلى تأثير التحالفات السياسية الواضح، لعبت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية دورًا هامًا. فتوسع الطبقات الوسطى وتأثير العولمة ووسائل الإعلام الرقمية الجديدة ساهمت في تغيير منظومة القيم والأولويات. كما أن مفهوم "اليمين المتطرف" في السياق المصري الحالي يبدو أنه يتميز بتركيز على الاستهلاك المادي وقيم السوق الحرة، مع تبني سطحي لبعض مفاهيم الحداثة وحقوق الإنسان دون تعمق حقيقي في جوهرها. ويتجلى التركيز على "اللذة الحسية" في العديد من الأعمال الفنية والإعلامية الرائجة التي تغلب فيها الإثارة السطحية على المحتوى الفكري العميق. أما عن النزعة الإقصائية، فتظهر في خطاب كل من اليسار (في فترات صعوده) واليمين الحالي من خلال تهميش أو شيطنة المخالفين وتبني رؤية أحادية للحقيقة.

فيما يتعلق بمستقبل الفكر المستقل، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية ظهوره وتنميته في ظل هذه الأجواء. قد تكمن الإجابة في دعم المبادرات الفردية والمساحات الرقمية التي تتيح حرية التعبير وتشجع على التفكير النقدي. أما عن دور المثقفين، فقد تباينت مواقفهم بين التماهي مع التيار السائد والمقاومة الخافتة، وتبقى مسؤوليتهم كبيرة في تشكيل الوعي العام وتقديم رؤى بديلة. كما لا يمكن إغفال تأثير سياسات الرقابة ودور المؤسسات الثقافية الرسمية في توجيه الإنتاج الثقافي وتشجيع أو تهميش بعض الأفكار. وبالنظر إلى الإعلام، فإن ربط المشهد الثقافي بقنوات مثل مزيكا وأفلام السبكي يعكس بوضوح كيف يساهم الإعلام الشعبي في تكريس بعض القيم والتوجهات الفكرية السطحية.

ختامًا، فإن هذه التحولات في المشهد الثقافي تستدعي تفكيرًا عميقًا في جذورها وتأثيراتها على المجتمع. ويبقى الأمل معقودًا على ظهور جيل جديد من المثقفين القادرين على تجاوز هذه الثنائيات الحادة وتقديم رؤى مستقلة ومستنيرة تساهم في بناء وعي حقيقي وتنمية فكر نقدي قادر على مواجهة التحديات.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.