احتلال الخيال و الانسان
=============
تحت اسم الواقعية العفنة: محاولة منظمة لاحتلال الخيال وتشويه الوعي الإنساني
في خضم التحديات المعاصرة، يبدو أن هناك سعيًا دؤوبًا ومنظمًا، يقوده ربما تحالف خفي بين قوى فكرية هدامة وجماعات ذات مصالح ضيقة، تحت ستار ما يُسمى زورًا وبهتانًا بـ "الواقعية العفنة"، لاختراق أعمق مستويات الخيال الإنساني وقولبة الوعي بطرق خبيثة وماكرة. هذه المحاولات تتخذ أشكالًا متعددة ومتنوعة، تتسلل إلى حياتنا اليومية عبر قنوات مختلفة، وكأن نارًا خبيثة تستعر ببطء ولكن بثبات، وتنتشر لتلتهم كل ما هو أصيل وجميل ونبيل في عالمنا الفكري والثقافي والاجتماعي والروحي.
تارةً، تتجلى هذه المحاولات في نشر متعمد ومنظم للقبح الأخلاقي بكل صوره وأشكاله، وللجهل المعرفي الذي يعيق التقدم الإنساني، وللتضليل الإعلامي الممنهج الذي يشوه الحقائق ويقلب المفاهيم، وكأن الهدف الأسمى لهذه القوى هو تغييب العقول عن جوهر الأشياء، وتحويل الإنسان إلى كائن سطحي غير قادر على التفكير النقدي المستقل أو التمييز بين الحق والباطل. وتارةً أخرى، تبدو هذه المحاولات كممارسة للجنون الكارثي الذي يدمر أسس الحضارة والقيم الإنسانية الرفيعة، ولكن تحت أسماء براقة ومضللة مثل العقلانية الزائفة التي تتنكر في ثوب المنطق المشوه، مما يزيد من خطورة التضليل ويجعل مقاومته أكثر صعوبة وتعقيدًا.
ومن أخطر هذه الأساليب الخبيثة والمستترة مسخ المعاني الراسخة للمصطلحات والألفاظ التي تشكل أساس تواصلنا وفهمنا للعالم، حيث يتم تفريغ الكلمات من حمولتها التاريخية والثقافية والأخلاقية الحقيقية واستخدامها في سياقات مضللة لخدمة أغراض دنيئة وأجندات خفية تسعى إلى تدمير النسيج الاجتماعي والقيمي. كما تُبذل جهود متواصلة ومنظمة، ربما تحت دعاوى زائفة للعلمانية المتطرفة التي تنكر القيم الروحية والإنسانية، وللحداثة المنفلتة من أي ضوابط أخلاقية أو قيود اجتماعية، لنسف ساحات الوعي الجمعي والقيم الإنسانية المشتركة التي لطالما ربطت المجتمعات ووحدت صفوفها.
يضاف إلى ذلك محاولة ممنهجة ومدروسة لتمييع الدين وتفريغه من جوهره الروحي والأخلاقي العميق، واختزاله إلى مجرد كلمات جوفاء تتشدق بها الألسن دون إيمان حقيقي أو تطبيق عملي للتعاليم السامية التي تدعو إلى التسامح والمحبة والعدل. وفي خضم هذا المناخ المشحون بالضبابية والتضليل، ينتشر "طائر الحوف والرعب" ليخيم بظلاله القاتمة على النفوس، كناية عن بث الخوف والقلق واليأس في قلوب الناس لزعزعة استقرارهم الداخلي وتقويض ثقتهم في المستقبل وفي إمكانية تحقيق التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم والعالم من حولهم.
وفي نهاية المطاف، يجد الإنسان الذي يسعى جاهدًا للحفاظ على فطرته السليمة وقيمه النبيلة وإنسانيته الراقية في وجه كل هذه التحديات الهائلة والأخطار المحدقة نفسه محاصرًا ومستهدفًا من قوى تسعى إلى سلبه إرادته وتجريده من إيمانه وأمله. ولكن، يبقى وسيظل من يحافظ على جذوة الإنسانية وقيم الحق والخير والجمال مشتعلة في قلبه وعقله بطلًا حقيقيًا في هذا العصر الذي تكثر فيه الفتن وتشتد فيه الصراعات. هذه الكلمة لم تُقل عبثًا أو من باب المجاملة، بل هي شهادة صادقة على قوة الروح الإنسانية وقدرتها على الصمود في وجه أصعب الظروف، وتقدير عميق لمن يختار طريق الحق والخير رغم كل الصعاب، فكونك تعيش في محيط يعج بالجنون الحقيقي وتتمسك بعقلك وروحك وعقيدتك وسط هذه الفتن العظيمة، وكونك تبتسم وتزرع بذور الأمل في وجه براكين الإحباط واليأس التي تحيط بك من كل جانب، لهو دليل قاطع على قوة استثنائية وإرادة صلبة تستحق كل الاحترام والتقدير.