جنون الحب في زمن العقل البارد: إصرار على البقاء


  • جنون الحب في زمن العقل البارد: إصرار على البقاء

========


أكتب الآن لأُسجل نبضات قلبٍ مُثقل بهمومٍ وأشواق، خشية أن تتآكل الذّاكرة يومًا ما، وأن تنسى أدقّ تفاصيل هذا الوجع الذي أُريد أن أتذكره جيّدًا، بل وأستحضره دائمًا لأستمدّ منه قوّةً في مواجهة القادم. ما أُريد تسجيله في هذه اللحظات العصيبة هو أنّني قابلتها اليوم؛ صحيح أنّها ليست الكائن البريء الذي وُلد على يديّ ورويته بحبّي ورعايتي، ولكنّها كانت روحًا مُنهكة وخائفة، ترتجف خوفًا من أشياء عديدة ورهيبة شاهدتها وعانت منها في خضمّ هذه الحياة القاسية، وهي تُمارس على نفسها قسوةً جبّارةً لتبتعد، لتهرب من شيء تجهله أو تخافه، أو ربّما تحاول حمايتي منه. صحيح أنّها نجحت في تحقيق أشياء عظيمة نجاحًا باهرًا يُحسد عليه، يدلّ على قوّة كامنة وعزيمة صلبة، وفشلت في أخرى فشلاً أثق أنّه سيتمّ تجاوزه بسهولة بفضل صلابتها وعنادها، فهي عنيدة وجبّارة على ذاتها بدرجة مُرعبة، لدرجة أبكتني اليوم ثلاث مرّات بصمتٍ مُطبق، دون أن يرتجف لها جفن واحد أو ترتعش لها يدٌ تُظهر ضعفًا، مُظهرةً قوّةً مُفرطةً تملكها، قوّةً رهيبةً تجعلها، كما قلت لها بصدق، جبّارة وظالمة على نفسها قبل أن تكون على أيّ شخص آخر.

أعلم علمًا يُشبه اليقين المطلق، بل يكاد يكون يقينًا، أنّ هناك ضغوطًا هائلة مُلقاة على عاتقها، أثقل بكثير من الجبال الرّاسخة، وأنّ هذا التّجبّر الظاهر الذي تلوّحت به اليوم ربّما يكون قناعًا واقيًا من أجلي أنا بالذّات، وليس موجّهًا إليّ بقصد الإيذاء. أعلم أنّها تُريد بصدق إرضاء كلّ الأطراف الضّاغطين عليها، والذين يحيطون بها من كلّ جانب، وكذلك إرضائي أنا أيضًا الذي أُعاني لرؤيتها بهذا الحال، ممّا يُلقي على كاهلها عبئًا مضاعفًا ويُرهق روحها المرهقة أصلًا. أُدرك تمامًا أنّها تُحاول مُمارسة أوجه القبح في عيني، ربّما عن غير قصد أو ربّما في محاولة يائسة لعلّي أغضب وأذهب بعيدًا، كما كنت أفعل في الماضي مع توافه الأمور التي لا تستحقّ عناء الاهتمام في سابق عهدي. ولكن الآن، بعد أن أُعلنت الحرب بوضوح، فالذّهاب هنا سيكون عين الجبن والخنوع، وأنا لستُ من هؤلاء الذين يهربون عند أوّل عاصفة. كما قلت لها بثبات، سأصمد مهما اشتدّت الرّياح، وسلاحي الوحيد في هذه المعركة هو الصّبر العميق والإيمان بأنّ الخير سينتصر في النّهاية، ولن أسمح لنفسي باليأس، وأيضًا لن أسمح لها بالإساءة لعلاقة أسمى وأجلّ من أن تُقطع لأيّ سبب تافه، مهما بدا هذا السّبب وجيهًا في الظاهر أو منطقيًّا في السّطح. فهذه العلاقة لم تُولد عبثًا، بل وُلدت لتبقى وتنمو وتزدهر، لا لدفنها قبل أن تشبّ وتترعرع وتُصبح كيانًا قويًّا يُدافع عنّا في وجه نوائب الدّهر.

أنا أقولها صراحةً ودون أيّ مُواربة أو تردّد: أنا أُريد بشدّة أن تستمرّ هذه العلاقة المقدّسة تحت أيّ شكل وتحت أيّ مُسمّى، حتّى لو اقتصرت في هذه الفترة العصيبة على تبادل السّلام العابر صباحًا ومساءً، فهذا في نظري أفضل بكثير من لا شيء، وهو بمثابة خيط رفيع يُبقيني مُتعلّقًا بالأمل. وكذا لتعرف هي في أعماق روحها أنّني أستحقّ أن يُبذل من أجلي أيّ شيء، أيّ جهد صادق للعودة إلى ما كنّا عليه، وليس بقرارات فوقيّة مُتسرّعة تنهي علاقة نمت وترعرعت بعفويّة وتجاوزت الكثير من العقبات دون إرادتنا الواعية في بدايتها، دون السّعي الحثيث لإقامتها وتثبيتها، فكيف بنا الآن أن نقتلها بدم بارد في مهدها؟ سأصبر صبرًا جميلاً، وأصبر أكثر، وسوف أفعل أيّ شيء وكلّ شيء يخطر ببالي ولا يخطر لاستعيدكِ إليّ، حتّى لو كان الأمر المطلوب يبدو للوهلة الأولى عكس كلّ طبائع الأمور ومجرياتها، حتّى لو كان الأمر المطلوب يبدو غير منطقيّ في نظر الآخرين. سأستعيدكِ حتّى لو تطلّب الأمر أن أُلقي بنفسي في أتون المخاطر، فما فائدة حياة تخلو من قطرات من وجودكِ تروي أرضًا قاحلة وعطشى إليكِ؟ سأستعيدكِ حتّى لو تطلّب الأمر أن أتصرّف كالمجنون الذي لا يعي ما يفعل، فما فائدة عقل لا يُفكّر فيكِ ليل نهار؟ سأستعيدكِ حتّى لو فقدت نفسي في سبيل ذلك، فما فائدتي في هذه الحياة بدونكِ؟ سأستعيدكِ حتّى لو تطلّب الأمر أن أُهديكِ روحي التي تطوق إليكِ وتأبى الابتعاد عنكِ، فما فائدة روح لا تحوم حولكِ وتستمدّ نورها من نوركِ؟



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.