الأمل والوهم
"من وهم الانتظار إلى أمل العمل: طريق النهضة الحقيقي"
=====
"طبيعة الإنسان مجبولة على التطلع نحو الأفضل، بين أمل يدفعه للسعي ووهم يكبله بالتمني. فالأمل المنتج هو تلك الشرارة الواقعية، المبنية على فهم لسنن الحياة والأخذ بالأسباب، والتي تغذي العمل والمثابرة، وتستفيد من التجارب والأخطاء بمرونة وقدرة على التكيف مع المتغيرات. إنه الأمل الذي يدفع الفلاح لزراعة أرضه، والطالب للدراسة بجد، والعامل للإتقان في عمله. أما الوهم المعيق، فهو ذلك الإقناع الزائف بأن الأمنيات ستتحقق بمجرد الدعاء، دون أدنى حركة أو سعي، وهو غالبًا ما يكون مريحًا للنفس الضعيفة التي تهرب من مسؤولية الفعل والمبادرة. وعندما يصطدم صاحب هذا الوهم بصلابة الواقع وعدم تحقق مبتغاه، سرعان ما يختبئ خلف ستار نظرية المؤامرة، متوهمًا أن العالم بأسره يقف في طريقه، بدلًا من أن يراجع ذاته وأسباب إخفاقه. هذا الوهم لا يعيق التقدم فحسب، بل يقتل التفكير النقدي، ويؤدي إلى جلد الذات أو لوم الآخرين بشكل غير بناء، ويعزل الفرد عن الواقع، مما يجعله عرضة للتلاعب والأفكار الهدامة.
يا عمونا، منطق "العالم واقف ضدي" غالبًا ما يكون قناعًا للهروب من مسؤولية الذات، ومرتعًا للشعور الزائف بالعظمة. فتجد أحدهم يبرر تقاعسه بترديد شعارات جوفاء مثل "نحن على الحق والعالم باطل" أو "سنقيم شرع الله والعالم محكوم بالصهيونية"، وغيرها من التبريرات التي تغذي شعورًا زائفًا بالعظمة والاكتفاء الذاتي، وتمنعه من رؤية مواطن ضعفه وحاجته للتطور. إن جذور هذا التفكير الوهمي قد تمتد عميقًا في تربة ثقافية أو اجتماعية تعاني من ضعف المؤسسات أو غياب الشفافية، حيث يصبح اللجوء إلى تفسيرات خارجية بسيطة أكثر جاذبية من مواجهة تعقيدات الواقع. وعندما تُعرض عليه أمثلة للمسلمين الناجحين، أفرادًا وجماعات ودولًا، سرعان ما يُقصيهم من دائرة "الإسلام الصحيح" بمعايير وهمية لا تستند إلى عمل أو إنتاج حقيقي، بل إلى تصورات قاصرة عن الدين ودوره الحقيقي في تحفيز السعي والارتقاء.
والحق أن التدين الحقيقي لا يتعارض أبدًا مع السعي والعمل الجاد، بل إن نصوصنا الدينية تزخر بالحث على العمل والإتقان والإنتاج، وتجعل من الكسب الحلال عبادة. فالإيمان الراسخ يدفع المؤمن إلى أن يكون فاعلًا في مجتمعه، يسعى لرزقه ويعمر أرضه. إن الاهتمام الحقيقي بأمر المسلمين لا يكون بالتنظير والشعارات الرنانة التي تغذي الوهم، بل بالتعلم والتفقه العميق في شتى العلوم، من الهندسة إلى الطب إلى العلوم الإنسانية، حتى نصبح أمة منتجة قادرة على تلبية احتياجاتها بنفسها، ومساهمة فاعلة في الحضارة الإنسانية. إن دور القيادة والنخب الفكرية والدينية حاسم في تعزيز هذا الأمل المنتج من خلال توجيه رسائل واضحة تربط الإيمان بالعمل، وتقديم نماذج واقعية للنجاح المستند إلى العلم والإنتاج، بدلًا من ترويج الخطابات التي تغذي الشعور بالضحية والانتظار السلبي.
إن الانغماس في الوهم، بتخديره للعقل وتثبيطه للهمة، هو أحد أهم معوقات نهضتنا وتقدمنا. ولكي نتحرر من هذا الوهم، ونحول الأمل إلى واقع ملموس، نحتاج إلى تعزيز التفكير النقدي، وربط الأمل بالعمل الجاد والمستمر، وتقديم نماذج واقعية للنجاح المستند إلى العلم والإنتاج، بدلًا من الاكتفاء بترديد أمجاد الماضي أو انتظار معجزات وهمية. إن الطريق إلى نهضة حقيقية يبدأ بالاعتراف بالواقع بكل تحدياته، والسعي الجاد لتغييره بإرادة وعمل مستنير، لا بالاستسلام للأوهام ونظريات المؤامرة التي تكبل العقول وتشل الحراك."