أولًا: نسأل الله الرحمة والمغفرة لفتاة المعادي، وندعوه أن يثبتها عند السؤال وينير قبرها.
ثانيًا: من المؤسف والمقزز كيف تحول الحديث عن هذه الفاجعة إلى ساحة للاستقطاب الرخيص بين الأطراف المختلفة. مثل هذه الأحداث الأليمة يجب أن تكون دافعًا للوحدة والبحث عن حلول جذرية، لا وسيلة لتصفية الحسابات أو إشعال الفتن.
ثالثًا: كلمة قاطعة: التحرش ليس نتاجًا للملابس أو التبرج أو أي من هذه الادعاءات الباطلة. السبب الحقيقي والمباشر للتحرش هو الذكورية الفجة المتأصلة في مجتمعاتنا على كافة المستويات.
رابعًا: الأمر ليس مرتبطًا بالدين أو عدم التدين، بل هو قضية اجتماعية بحتة. وبالتالي، فإن الحل الوحيد والفعال للتحرش يكمن في تطبيق قانون رادع وحاسم على كل من يرتكب هذا الفعل الإجرامي. وأي محاولة لربط التحرش بأسباب أخرى أو اقتراح حلول بعيدة عن القانون هي مجرد مضيعة للوقت والجهد.
خامسًا: لن نستطيع أن نتعامل مع التحرش ككارثة اجتماعية حقيقية إلا عندما تتوقف ثقافة تسليع المرأة في وسائل الإعلام وفي الواقع. عندما يتوقف المجتمع عن النظر إلى المرأة كجسد أو كأداة للإغراء، ربما حينها سنتمكن من فهم جذور المشكلة والعمل على حلها بشكل فعال.
يا سادة وسيداتي، القانون، كما يقال، هو الحد الأدنى للأخلاق. لذلك، فإن تطبيق قانون حاسم ورادع على كل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة التحرش الجنسي هو السبيل الوحيد لوقف هذه المهزلة. وقد أظهرت حملة #MeToo العالمية، التي كشفت عن تحرشات ارتكبها نخبة المجتمع وتمت إدانة بعضهم، أهمية فضح الجناة ومحاسبتهم.
لكن، يبقى التحدي الأكبر في تطبيق القانون بشكل عادل ونزيه. فكما ذكرت، عندما نبدأ في تطبيق القانون – هذا إن حدث بالفعل – سنواجه حتمًا عقبة "عارف ده ابن مين" و"عارف ده مين قريبه" و"عارف ده يعرف مين". وهذا يكشف أن المشكلة ليست مجرد تحرش، بل هي أعمق من ذلك؛ إنها مشكلة مجتمع لم يرسخ فيه مفهوم المواطنة الحقيقية ودولة القانون، مجتمع يبدو أحيانًا وكأنه مجرد تجمع من الأفراد لا يربط بينهم سوى الأرض.
إن فاجعة فتاة المعادي ليست مجرد جريمة فردية، بل هي صرخة مدوية تستدعي وقفة جادة من المجتمع بأكمله. مكافحة التحرش ليست مسؤولية الضحايا وحدهن، وليست مهمة القانون فقط، بل هي مسؤولية كل فرد في هذا المجتمع. يبدأ التغيير من داخلنا، من رفضنا القاطع لأي شكل من أشكال التبرير أو التهاون مع التحرش، ومن استعدادنا للتصدي للسلوكيات المتحرشة في محيطنا، ومن دعمنا ووقوفنا بجانب الضحايا. هذه الحادثة الأليمة يجب أن تكون بمثابة تذكير بواقع أوسع من العنف ضد المرأة والتحرش الذي يستشري في مجتمعاتنا، مما يستدعي تحركًا جادًا وشاملًا على كافة الأصعدة.
ولا يمكن إغفال الدور الحيوي للتربية والتنشئة السليمة في غرس قيم الاحترام والمساواة ورفض العنف منذ الصغر. فتغيير الثقافة يبدأ من الأسرة والمؤسسات التعليمية. كما أن تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم للضحايا، ونشر الوعي، والمساهمة في الضغط من أجل تغيير القوانين وتطبيقها بشكل فعال، يمثل ضرورة قصوى. يجب أيضًا التأكيد على أهمية الشفافية والمساءلة في التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بقضايا التحرش، وضمان محاسبة الجناة بشكل علني ليكونوا عبرة للآخرين.
ختامًا، نؤمن بإمكانية تحقيق تغيير حقيقي نحو مجتمع أكثر أمانًا واحترامًا للجميع. فلنجعل من فاجعة فتاة المعادي نقطة تحول تدفعنا جميعًا – أفرادًا ومؤسسات – للعمل معًا من أجل بناء مجتمع يحمي كرامة الإنسان ويجرم التحرش بكل أشكاله.