ضربة صادمة الجزء الثانى = قراءة صادمة في آفات الفكر واللغة والإعلام الرقمي

ضربة صادمة الجزء الثانى

قراءة صادمة في آفات الفكر واللغة والإعلام الرقمي
========================

مقدمة:

في خضم هذا الزخم الهائل من المعلومات والآراء المتضاربة التي تغمر فضائنا العام، يصبح من الضروري الوقوف لحظة والتأمل بصدق في بعض الظواهر السلبية التي باتت تهدد جودة فكرنا، سلامة لغتنا، ومصداقية إعلامنا الرقمي. هذا المقال هو صرخة في وجه الرداءة المستشرية في العديد من جوانب حياتنا الرقمية والفكرية، محاولة لتسليط الضوء على آفات قد تبدو مألوفة لكنها تستحق التوقف والتفكير مليًا في تأثيرها.

يقينية الجهلاء:

من اللافت للانتباه كيف يتصدر المشهد أفراد لم يرتووا من معين العلم والمعرفة، لكنهم يتحدثون بثقة عمياء وكأنهم يمتلكون مفاتيح الحقيقة المطلقة. قراءة سطحية لبضعة كتب لا تمنح المرء صكًا لليقين، بل يجب أن تكون دافعًا لمزيد من البحث والتواضع في عرض الآراء. إن هذه الثقة الزائدة بالنفس، المبنية على أساس هش، تعيق التعلم الحقيقي وتغلق أبواب الحوار المثمر.

لغة ميتة ولغة منحطة:

تعاني لغتنا العربية في الفضاء العام من تناقض مؤلم. فمن جهة، نجد استخدامًا مفرطًا لألفاظ وتراكيب تنتمي إلى عصور ولت، وكأن الهدف هو استعراض لغوي باهت بدلًا من التواصل الواضح. ومن جهة أخرى، نشهد انحدارًا مريعًا في مستوى اللغة، مع انتشار الأخطاء اللغوية والتراكيب الركيكة والكلمات السوقية. هذان النمطان يعكسان أزمة في علاقتنا بلغتنا الأم وقدرتنا على استخدامها بفعالية ودقة.

إعلام التطبيل الرقمي:

تحول الكثير مما يسمى بالإعلام الرقمي الداعم إلى مجرد منصة للتطبيل والترويج السطحي. يفتقر هذا المحتوى في غالبه إلى المهنية والموضوعية والعمق. إنه أقرب إلى منشورات الهواة المتحمسين، يغرق في التكرار والشعارات الفارغة، ويقدم جرعات مكثفة من المخدرات اللغوية والفكرية التي تهدف إلى تضليل الجمهور وتسطيح وعيه.

دفاع أعمى وشتائم مجانية:

من الحق الطبيعي لأي شخص أن يدافع عن آرائه وانتماءاته، لكن ما يثير الاستياء هو أن يتحول هذا الدفاع إلى حملة شعواء من السب والقذف تجاه المخالفين، بل وحتى تجاه عموم الشعب الذي يُفترض أنه مصدر الشرعية. إن استخدام أوصاف مهينة ومستعلية تجاه الآخرين يكشف عن ضحالة في الحجة وعجز عن تقديم دفاع منطقي ومحترم.

ابتذال المصطلحات.. وفوضى المعاني:

أصبحت ساحات النقاش الرقمي مسرحًا لعبث لغوي يتمثل في استخدام المصطلحات الرنانة دون أدنى فهم لمعانيها الحقيقية. كل طرف يفسر المصطلح على هواه، مما يحول الحوار إلى مونولوجات متوازية لا تلتقي أبدًا. هذا الاستسهال في استخدام اللغة يقوض أي إمكانية للوصول إلى فهم مشترك أو بناء توافق حول القضايا المطروحة.

صور براقة.. ومحتوى أجوف:

تكتسح وسائل التواصل الاجتماعي موجة من المنشورات المصورة التي تعتمد على الجاذبية البصرية الخادعة لإخفاء فراغ المضمون. هذه "الورود البلاستيكية" الرقمية قد تجذب الأنظار للحظة، لكنها سرعان ما تكشف عن سطحيتها وعدم جدواها. والمثير للدهشة هو التفاعل الإيجابي المبالغ فيه مع هذا النوع من المحتوى، مما يشير إلى ميل نحو الاكتفاء بالمظاهر على حساب العمق الفكري.

محرضون من وراء الحدود.. وضحايا في الداخل:

من الظواهر المقلقة انتشار الأصوات العالية التي تدعو إلى التحريض والعنف، والتي غالبًا ما تنطلق من خارج حدود الوطن. هؤلاء "المناضلون الافتراضيون" يتاجرون بآلام وتضحيات الآخرين دون أن يتحملوا أيًا من تبعات أفعالهم. إنها دعوة إلى الكف عن هذه المزايدات الرخيصة وتحمل المسؤولية عن الأقوال والأفعال على أرض الواقع.

معارضة بلا رؤية.. وكتابة على الماء:

يبرز في الفضاء الرقمي العديد من "المعارضين" الذين يرفعون أصواتهم عاليًا، لكن عند محاولة استيضاح رؤيتهم أو استراتيجياتهم للتغيير، لا تجد سوى فراغ. إن المعارضة الحقيقية تتطلب خططًا واضحة وأدوات فعالة، أما مجرد الصراخ والانتقاد دون تقديم بدائل أو آليات عمل فهو مضيعة للوقت والجهد.

خاتمة:

إن هذه "الصرخات" ليست مجرد شكوى أو تذمر، بل هي دعوة إلى صحوة فكرية ولغوية ورقمية. إن مواجهة هذه الآفات بوعي ونقد ذاتي هي الخطوة الأولى نحو بناء فضاء عام أكثر جودة ومصداقية، فضاء يليق بوعينا وبتطلعاتنا نحو مستقبل أفضل.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.