العجل الذهبي في شفرة المصدر: أمريكا وتغيير القدر عبر السينما

العجل الذهبي في شفرة المصدر:

 أمريكا وتغيير القدر عبر السينما

===============

هاهى امريكا تعلن بوضوح انها الاله القادم حتى يسجد لها العالم كله ولكن عن طريق القوة الناعمة وهى السينما وليس عن طريق القوة الخشنة وهو الاحتلال

"شفرة المصدر": حين تتحول السينما إلى قوة ناعمة... وتتحدى الميتافيزيقا

في ظل تنامي دور السينما كقوة مؤثرة، تبرز تساؤلات حول الرسائل الخفية التي قد تحملها الأفلام، خاصة تلك التي تأتي من قوى عالمية تسعى لترسيخ هيمنتها. فيلم "شفرة المصدر" (Source Code) يقدم مثالاً مثيراً للاهتمام في هذا الصدد، إذ يناقش موضوعًا خياليًا علميًا حول استخدام إنسان في حالة احتضار لاستجلاب معلومات عبر برنامج يُسمى "رمز المصدر". قبل الخوض في تحليل الفيلم ورسالته، من الضروري تعريف بعض المصطلحات المحورية التي تُستخدم فيه بذكاء خادع.

مفاهيم محورية ومغالطات علمية

يتكئ الفيلم على مفاهيم يُعاد توظيفها بشكل مثير للجدل، مما يخدم رسالته الضمنية:

  • القضاء والقدر: من أساسيات العقيدة الإسلامية، ويعني تعلق علم الله وإرادته بالأشياء، وقدرته على إيجادها. الفيلم يتلاعب بهذا المفهوم ليوحي بقدرة بشرية على تجاوزه وتغيير المصير، وهو ما يُعد تجاوزًا لحدود الألوهية في منظور ديني، ويسعى لترسيخ فكرة أن هناك قوة على الأرض يمكنها التحكم في مسار الأحداث.

  • ميكانيكا الكم: نظريات فيزيائية ظهرت في القرن العشرين لتفسير الظواهر الذرية، وتدمج بين الخاصية الجسيمية والموجية. يبدو استخدامها هنا كغطاء علمي زائف لإضفاء المصداقية على فرضيات الفيلم غير الواقعية، وليُشعر المشاهد بأن ما يراه مبني على أسس علمية معقدة تسمح بالتحكم في الواقع.

  • نشاط المخ بعد الوفاة: يفترض الفيلم استمرار نشاط المخ والذاكرة لمدة 8 دقائق بعد الوفاة، وهو مفهوم يفتقر إلى الدعم العلمي الصريح، ويُقدم كحقيقة علمية لإضفاء طابع "علمي" على فكرة الفيلم، ليُبرر القدرة على استغلال الإنسان حتى بعد موته لخدمة أهداف عليا.

حبكة الفيلم والرسالة الخفية

يقوم الفيلم على فكرة استغلال هذه الدقائق الأخيرة من الذاكرة عبر برنامج "رمز المصدر" لكشف معلومات حيوية. يبدأ بمشهد انفجار قطار، واستيقاظ شخص (نكتشف لاحقًا أنه جندي ميت) في واقع بديل للبحث عن المفجر. يتكرر المشهد مع كل محاولة له لجمع المعلومات، حتى يتمكن من كشف هوية الإرهابي وهدفه التالي.

يكتشف الجندي حقيقته ويرفض الاستمرار إلا بفهم أبعاد ما يجري. تُشرح له آلية البرنامج وأهميته القصوى لإنقاذ الأمريكيين. يطلب الجندي أن يُترك ليموت بعد إنجاز مهمته، لكن ضابطة الاتصال تُخالف الأوامر وترسله في مهمة أخيرة دون علم مصممي البرنامج.

هنا تحدث "المعجزة"؛ إذ يتمكن الجندي من الهروب مع فتاة القطار، بينما يُعلن عن إنقاذ مدينة شيكاغو في "واقعه الأصلي". يسأل الجندي الفتاة عن إيمانها بالقدر، فتجيب ببساطة أنها "محظوظة". ينتهي الفيلم بـ"هروبهما" إلى واقع جديد، يوحي بانتصار لا يُفسر، ويرسخ في اللاوعي فكرة البطل الأمريكي القادر على تجاوز المستحيل، بما في ذلك التحكم في المصائر وتغيير مجرى القدر.

الفيلم، رغم طابعه الخيالي الخالص، يحمل رسالة ضمنية واضحة ومُخيفة: أن أمريكا هي القوة القادرة على تغيير القدر لدحر الإرهاب. فتغيير نتيجة تفجير القطار، الذي كان من المفترض أن يحدث في الواقع الأصلي، يوحي بقدرة أمريكية خارقة على التحكم في المصائر. هذه الرسالة، التي وصفناها بـ"الكافرة"، تُبث للمشاهد: "آمنوا بي وأنا كفيلة بسحق الإرهاب، اعبدوا أمريكا ونحن نغير أقداركم للأفضل." إنه فن صناعة الوعي بالقوة الناعمة، حيث يتم غرس الأفكار الأساسية وتوجيه قناعات المتلقين دون وعي منهم، كما لو كانت حقائق أصلية في أذهانهم.

الجوانب الفنية: عبقرية تُغلف الكفر

من الناحية السينمائية، يُعد الفيلم معقدًا للغاية، وإخراج المخرج دونكان جونز مبهر في تكرار المشاهد مع إضافة تفاصيل جديدة في كل مرة، مما يُبقي المشاهد مشدودًا. لكن السيناريو يتسم بـ "الخبث" في إيهام المشاهد بالخيال العلمي لتمرير الرسالة الحقيقية عبر ذكر مفاهيم علمية بشكل سطحي وغير دقيق.

أما على صعيد الأداء، فـ جيك جيلنهال يقدم أداءً رائعًا في تجسيد الانفعالات الداخلية للشخصية. وقد عمّقت الموسيقى فكرة الفيلم وأجوائه، بينما جاءت الجرافيكس ممتازة في مشاهد الانفجار، مما أضفى واقعية مرعبة على الأحداث.

الخلاصة والتحذير

إن "شفرة المصدر" ليس مجرد فيلم خيال علمي مسلٍّ، بل هو مثال بارز على استخدام السينما كأداة للقوة الناعمة، لترسيخ مفاهيم معينة والادعاء بقدرات خارقة تتجاوز حدود البشرية والعقيدة. لذا، يجب الحذر الشديد من القبح البواح والكفر الصريح الذي قد يأتي مغلفًا بجماليات السينما والتقنيات الحديثة. تذكر دائمًا أن المشاهدة النقدية هي مفتاح الوعي، فليس كل ما يُعرض على الشاشة يمثل الحقيقة أو الخير المطلق، بل قد يحمل رسائل خفية تستهدف عقلك ووجدانك.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.