النقاش والصالح العام
===========
عندما يدور نقاش ما للصالح العام، فلابد من التجرد، ولا نشخصن الأمر حتى تستقيم الأمور.
أنا لا أدعي حكمة مزعومة، ولا أدعي أنني الأفضل، ولا أدعي أنني الأكثر حرصًا على المصلحة العامة.
الحقيقة، هناك أكثر مني علمًا، وأفضل خلقًا، وأحسن في الكتابة وسرد أفكاره.
هل لأني أطالب بحقي أن أقول رأيًا، أو أعارض أسلوبًا، أو أفند أسباب رفضي لشيء ما، هنا تقوم القيامة؟ وللأسف، يبدو النقاش أحيانًا وكأنه يركز على تحميل شخص واحد مسؤولية كل المشكلات، بدلًا من التركيز على جوهر القضية بين جانبي النهر - وهما أصحاب وجهات النظر الحادة المختلفة - بينما يمثل النهر نفسه صوت عامة الناس وتطلعاتهم، وهو الصوت الذي يجب أن يكون له تأثير حقيقي في نهاية المطاف.
يا سادة،
أنا لا أحبذ الشتائم لأنها تفرغ الطاقة الغاضبة، وأنا أريد استثمارها في بناء حجج قوية. إن أساس التجرد يبدأ بالاستماع الفعال، بالسعي لفهم دوافع وحجج الآخرين بإنصاف.
أنا لا أحبذ اللغة المحنطة لأني أريد أن الكل ينصهر في بوتقة واحدة اسمها مصر. وعندما تكون مصر للكل، والكل يقف على قدم المساواة في كل شيء، هنا يبرز الاختلاف كإثراء، لا كسبب للانقسام. محاولة التمييز المصطنعة تزيد الفجوة، بينما هدفي هو إقامة الجسور المهدمة بفعل فاعل.
أنا أتكلم عن واقعية سياسية، تستند إلى فهم دقيق لموازين القوى والقيود والتحديات التي تواجهنا، وليس عن أحلام ولا أمنيات قد تخدّر الجموع دون أن تتحقق. الواقعية هي نقطة الانطلاق نحو اتخاذ قرارات مستنيرة. وتقع على عاتق النخب مسؤولية خاصة في تقديم نموذج للنقاش المتجرد والبنّاء، بعيدًا عن المهاترات والاستقطاب.
أنا ضد التعصب الأعمى بكل أشكاله، سواء كان يتمثل في اعتبار من معنا ملائكة ومن يختلف معنا شياطين. النقاش الصحي يعتمد على التفكير النقدي المستقل.
أنا ضد البعد عن صلب الأمور والدخول في مهاترات يومية عن تفاصيل صغيرة، لأن ذلك يستنزف طاقتنا دون تحقيق أي عائد حقيقي، سواء لأنصارنا أو للطرف الآخر.
أخيرًا، من أنا في كل ما سبق؟ أنا مجرد كاتب لبعض كلمات قد تروق لعدد قليل من الناس. أنا مجرد رجل يعشق هذه البلد دون الانتماء إلى أي فصيل أو جماعة أو حزب، عشقي الوحيد للبلد والحقيقة المجردة بغض النظر عن قائلها، وعقيدتي الإسلامية هي التوحيد الخالص لله.
يا سادتي، إن كنت اختلفت معكم، فليس بحثًا عن تميز فارغ، أو حكمة غير موجودة، أو بطولة زائفة. اختلافي كما شرحت آنفًا، وأرجو منكم السماح لنا جميعًا بأن نكون بشرًا أسوياء، لكل منا رأي مبني على أسس حقيقية، وليس مجرد عواطف تعمي العقل عن رؤية الواقع.
وفي النهاية، حقكم عليّ، وسأعود قارئًا كما بدأت، وسأكتب ما يعن لي هنا. من يرى أن كلماتي تستحق القراءة، أهلًا به. ومن يرى أنها تستحق النقد البناء، أهلًا به. ومن يرى أنها مجرد حروف مرصوصة دون أي نفع، أهلًا به. ومن يرى أنها كغثاء السيل، أهلًا، ولكن دون إسفاف ودون شخصنة الأمر. وسأحاول جاهدًا التزم الصمت أمام الهيستيريا العاطفية التي سنندم عليها جميعًا مستقبلًا، ومستقبلًا هنا القريب، بل القريب جدًا. إن تجاوز هذه الخلافات والارتقاء بمستوى نقاشاتنا ليس رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه وطننا. يحدوني الأمل أن يسود هذا النوع من الحوار البناء والهادف في كل ما يخص مصلحة هذا الوطن، وأن نركز دائمًا على قيمنا المشتركة التي تجمعنا.
شكرًا لكم وجزاكم الله كل خير.