في كل أسبوع يوم جمعة الدراما المصرية تكشف عُري المجتمع

 في كل أسبوع يوم جمعة

الدراما المصرية تكشف عُري المجتمع

=============

 

تشريح مجتمع يتآكل.. من الحلم إلى الجريمة

نحن أمام عمل درامي استثنائي، يحمل رسالة واضحة وقاسية: كيف يمكن لمجتمع يدهس أحلام أفراده أن يُحوّل شخصًا عاديًا وحالمًا بغدٍ أفضل إلى مجرم منتقم، مجردًا من أي إنسانية؟ مسلسل "تغيير" لا يُجمل الواقع، بل يطرح سؤالًا عميقًا ومؤلمًا: "لا تضغطوا على الآخر حتى لا نعيش في غابة لا ترحم أحد".

المؤلف إبراهيم عبد المجيد والسيناريست إياد إبراهيم لم يحاولوا تجميل الواقع الوقح. بدلًا من اختلاق شخصيات إيجابية زائفة، عمدوا إلى تشريح المجتمع بالبلطة دون تزييف. وكأنهم يصرخون في وجه المتلقي ليُدرك الكارثة التي نعيشها، حيث امتدت جرثومة الفساد لتطال الجميع: من المثقفين، مرورًا بكل النخب، وصولًا إلى الناس العادية. إنه مسلسل يُقدم "الواقعية الوقحة المتبجحة" التي ترفض نظرية "الرمي تحت السجادة"، وتُفضح الكذب الطويل بأننا "مجتمع متدين بطبعه". لقد أدان المسلسل الكل لأنهم يستحقون الإدانة، ولم يخلق لهم أي تبريرات واهية، وكأنه ألقى القفاز في وجه الجميع لعلهم يستيقظون.

اسم المسلسل "تغيير" ليس مجرد تسمية عابرة؛ إنه يحمل في طياته جوهر الرسالة التي يسعى العمل لإيصالها. هذا التغيير قسري، يطال الروح والإنسانية، ويُحوّل الحلم إلى كابوس، مُبرزًا كيف يمكن لظلم النخبة أن يقلب موازين القيم ويُنشئ وحوشًا. تكمن المأساة الحقيقية في "تغيير" ليس فقط في تحول البطلة إلى مجرمة، بل في قتل الأمل داخلها وفي نفوس من حولها. لقد كان الحلم بغدٍ أفضل هو المحرك الأساسي لها، لكن دهس النخبة والمجتمع لأحلامها دفعها إلى هوة سحيقة من اليأس، حيث لا مكان للأحلام أو الطموحات، بل فقط لغريزة البقاء والانتقام.


جماليات فنية ترسم الواقع بوعي

"تغيير" يُمثل نقلة نوعية في الدراما المصرية من حيث التكثيف للمعاني دون تطويل أو مطّ. المسلسل بأكمله يتكون من عشر حلقات فقط، مما يزيد من متعة المتلقي ويُحافظ على وتيرة الأحداث المشوقة.

المخرج محمد شاكر خضير يُقدم الضحية التي تتحول إلى جانية، ذات سمات هادئة على مستوى الشكل والمضمون. لم يلجأ إلى البشاعة البصرية، بل على العكس، وجدنا جمالًا شكليًا في مظهرها وملابسها وطريقة حديثها، وكأن صناع العمل يُقرّون بأنها ضحية أولًا وأخيرًا.

اختيار منة شلبي لهذا الدور كان تحديًا حقيقيًا، وقد أثبتت نضجها الفني الهائل في هذا العمل، مسيطرة تمامًا على أدواتها من الناحية الجسدية ونبرات الصوت في الحوارات المتعددة. التحدي الأكبر كان مع النجم آسر ياسين، الذي يُدرك قيمة الدور للممثل الحقيقي. مشاهد ظهوره كانت قليلة لكنها ذات عمق وتأثير بالغ، وأداءه الحركي كان ممتازًا، مُظهرًا انفعالات حقيقية لمريض التوحد وإهمال الجميع له منذ نشأته.

اختيار الأماكن كان "موافقًا للغاية". أما شريط الصوت، فقد قلل أحيانًا من متعة المشاهدة؛ فصوت الموسيقى كان يطغى على صوت الأبطال، مما يعيق فهم الحوار.


الموسيقى التصويرية: بطل صامت يفسر المسكوت عنه

يُعد المؤلف الموسيقي هشام نزيه أحد الأبطال الحقيقيين للمسلسل. لقد جعل الموسيقى التصويرية "كممثل في المشهد"، من عمق ما تتركه من أثر داخل المتلقي. إنها تُعبر عن المسكوت عنه في الحوار، وكأنها تُفسر الأحاسيس الدفينة للبطل والبطلة، مساهمة بقوة في نجاح العمل.


فكرة المسلسل الباطنية: إدانة شاملة للمجتمع

الفكرة الأصلية الباطنية للمسلسل هي تسليط الضوء على المجتمع من الأعلى إلى الأسفل. نجد "العامة" يُعارضون الشيخ، لكنهم نفس من ذهب إلى الصلاة بعد تدخين سيجار "استروكس"، في "تدين مغشوش ومنقوص". هؤلاء العامة شاركوا في جريمة التزوير في "الموت المزيف" للبطلة لصالح "الجمعية الخيرية" التي تُعد ستارًا أمام المجتمع لفعل الخير، لكنها في الحقيقة تُخفي الكثير من الشرور.

المسلسل لا يُدين الفاعلين المباشرين فقط، بل يُشير بإصبع الاتهام إلى الصمت المدوي والموافقة الضمنية للمجتمع ككل. صمت أسرة الضحية/الجانية أمام سطوة المال، وتواطؤ "الجمعية الخيرية"، كلها تُرسم صورة لمجتمع يقف متفرجًا أو متواطئًا، بينما تتآكل قيمه وأفراده. هذا الصمت هو ما يُفضي إلى تفشي "جرثومة الفساد".

المسلسل يُعرّي أيضًا النخبة؛ من الكاتب المشهور الذي يفعل في حياته الخاصة ما يُخالف ما يُنادي به، إلى المحامي الذي يُدين الفتاة ويقف مع الكاتب لأنهم من فئة واحدة هي "نخبة المجتمع المزيفة". حتى الساهرون على تحقيق العدالة يمارسون "بلطجة حقيقية" سواء مع ذويهم أو مع بعضهم البعض. الأستاذ الجامعي المهموم بالتحرش فقط، وسيدة المجتمع التي تمارس التفرقة بين الأبناء لتخلق مجرمين، فابنها سارق والآخر مجرم رغماً عن إرادته.

في الختام، المسلسل هو نموذج لكيفية وضع مشرط الجراح على القيوح الراسخة في المجتمع وعرضها في أطر جمالية، دون اللجوء إلى الإسفاف تحت زعم الواقعية. إنه عمل فني يثبت أن الواقعية، وإن كانت وقحة ومتبجحة، يمكن أن تُقدم ببراعة فنية تُثير العقل والوجدان، وتُلقي بمسؤولية الإصلاح على عاتق الجميع.

طاقم العمل:

  • بطولة: منة شلبي، آسر ياسين، مي الغيطي، سوسن بدر، عبد العزيز مخيون، عارفة عبد الرسول، رشدي الشامي، أحمد خالد صالح.

  • سيناريو: إياد إبراهيم

  • تأليف: إبراهيم عبد المجيد

  • إخراج: محمد شاكر خضير



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.