زمن بلا زعيم: كيف تغيّرت خريطة القيادة في العالم العربي؟

 

  1. زمن بلا زعيم: كيف تغيّرت خريطة القيادة في العالم العربي؟

-----------------------------------------



القيادة العربية: من الزعيم الأوحد إلى فسيفساء القوة

شهد العالم العربي خلال العقود الماضية تحولات جذرية في مفهوم القيادة؛ من زمن القائد الأوحد إلى مرحلة التعددية وتوزع النفوذ بين قوى سياسية واقتصادية وإعلامية. رحلة طويلة تعكس تغير أولويات المنطقة وتبدل أدوات النفوذ.

الحقبة الناصرية: زعامة بالكلمة والمشروع

مع صعود جمال عبد الناصر، برزت مصر كقلب العروبة النابض. فبمشروعه القومي والاشتراكي وتأميمه قناة السويس عام 1956، اكتسبت مصر زعامة تستند إلى القوة الناعمة المتمثلة في الإعلام والثقافة والرمزية القومية. لكن هزيمة 1967 كشفت حدود هذه القيادة وأدخلت المشروع الناصري مرحلة انحسار.

السادات ومبارك: من الانفتاح إلى غياب الدور

نجح أنور السادات في استعادة الثقة بحرب أكتوبر 1973، لكنه غيّر المسار بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد وسياسة الانفتاح الاقتصادي. أدى ذلك إلى عزل مصر عن محيطها العربي وتحولها إلى سياسة "مصر أولًا".
ومع مبارك، عادت القاهرة إلى الساحة العربية، لكن من موقع الشريك لا القائد، ما فتح المجال أمام محاولات زعامة فردية من صدام حسين أو القذافي، لكنها سرعان ما انهارت بسبب التناقضات الداخلية والسلوكيات المتهورة.

صعود القيادة الخليجية

مع تراجع الزعامات الفردية، برزت دول الخليج بقيادة جماعية مقسمة:

  • السعودية بدورها السياسي والديني،

  • الإمارات كقوة اقتصادية وتجارية،

  • قطر كقوة إعلامية عبر شبكة الجزيرة.

غير أن هذا النموذج لم يخلُ من التوترات، حيث فجّرت الأزمة الخليجية عام 2017 هشاشته وأظهرت تضارب المصالح بين أطرافه.

ما بعد 2011: تعددية اللاعبين

أحدثت انتفاضات 2011 فوضى إقليمية أطاحت بنماذج قيادية تقليدية. ومعها صعدت دول الخليج كلاعب أساسي، ليس فقط بفضل ثروتها النفطية، بل أيضًا باستخدام أدوات حديثة للنفوذ:

  • الاستثمارات الاقتصادية الضخمة في الغرب والشرق،

  • القوة الناعمة عبر استضافة أحداث كبرى مثل كأس العالم في قطر وإكسبو دبي،

  • الإعلام والفضاء الرقمي كسلاح مؤثر في تشكيل الرأي العام.

وفي الوقت نفسه، استغلت قوى إقليمية غير عربية – تركيا، إيران، إسرائيل – حالة الفوضى لتعزيز حضورها، ما عمّق التنافس وأعاد رسم خرائط النفوذ.

قيادة بلا مركز

اليوم، لم يعد العالم العربي يعرف قائدًا أوحد، بل فسيفساء من القوى المتشابكة. فالقيادة موزعة بين الاقتصاد والسياسة والدين والإعلام. والسؤال لم يعد "من يقود العرب؟" بل "كيف تُدار القيادة في ظل هذا التعدد والتنافس؟"

إنها مرحلة مفتوحة على احتمالات متعددة: إما أن تتحول التعددية إلى تكامل يخلق نموذجًا جديدًا للقيادة المشتركة، أو أن تبقى ساحة صراع يستهلك الجميع.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.