"من الانحطاط إلى النهضة: لماذا نفشل في تحويل الإسلام إلى مشروع حضاري؟
==========================
دور الدين في الحياة: بين التبعية والبديل الحضاري
منذ قرنين على الأقل، يفرض السؤال نفسه على وعينا الجمعي: ما موقع الدين في حياتنا العامة والفكرية؟ سؤال يبدو بديهيًا، لكنه في الحقيقة صراع بين مرجعيتين متناقضتين: الدين كجذر للهوية، والغرب كنموذج حداثي مهيمن.
الانحطاط والتبعية
انحطاطنا السياسي والاقتصادي والثقافي جعلنا أسرى للنموذج الغربي، لا في التكنولوجيا فقط بل في أنماط التفكير والعيش. الغرب خرج من صراع دموي مع الكنيسة فأنتج العقلانية والعلمانية والفردانية. أما نحن فاستوردنا هذه الفلسفات بلا سياق، وكأننا تبنينا نتائج معركة لم نخضها أصلًا.
خطاب مثقفينا: الرد المريب
المريب أن بعض مثقفينا يكتفون بشعارات جوفاء مثل: "الإسلام فيه كل شيء". كلمات مريحة لكنها لا تقدم إجابة حقيقية. بل إنها تساهم في إظهار الإسلام كخطاب عاجز أمام تحديات العصر، وتدفع الشباب دفعًا نحو النموذج الغربي الذي يبدو أكثر وضوحًا وفاعلية.
خصوصية تجربتنا
الحضارة الإسلامية لم تعرف الصراع بين الدين والعلم كما في الغرب. على العكس، ازدهرت العلوم والفلسفة والطب في ظل الدين لا ضده. استيرادنا لصراع الغرب مع كنيسته خطأ تاريخي، لأنه صراع لا يخصنا.
أسئلة غائبة
أزمتنا أن خطابنا الدفاعي يتهرب من الأسئلة الجوهرية:
-
ما معنى الحرية من منظور إسلامي معاصر؟
-
كيف نصوغ علاقة متوازنة بين الدين والعلم؟
-
ما فلسفتنا في العدالة والمعرفة والإنسان؟
من دون هذه الإجابات، يبقى الإسلام عند الكثيرين مجرد شعارات أخلاقية، بينما تستمر الفلسفات الغربية في تقديم نفسها كمشروع عملي يفسر العالم ويوجه الحياة.
الدرس الياباني
اليابان واجهت سؤالًا مشابهًا بعد هزيمتها أمام الغرب. اختارت أن تأخذ العلم والتنظيم، لكنها احتفظت بروحها الشرقية وثقافتها الخاصة. فصنعت حداثة يابانية لا نسخة أوروبية. نحن على العكس: تبنينا النسخة المستوردة بلا محاولة جدية لصياغة بديل.
نحو بديل حضاري
الحل ليس في شعارات تكرّر أن الإسلام كامل، بل في تحويل قيمه إلى مشروع معرفي عملي.
-
نحتاج فهمًا نقديًا للغرب، لا تقليدًا له.
-
نحتاج تحرير الفكر الإسلامي من الخطاب الدفاعي.
-
نحتاج إنتاج فلسفة معاصرة تنطلق من قيمنا (العدل، الكرامة، الاستخلاف) لكنها تخاطب العالم بلغة عقلانية حديثة.
الخاتمة
القضية ليست هل الإسلام أفضل؟ فهذا تحصيل حاصل. القضية الحقيقية: كيف نترجم الإسلام إلى بديل حضاري حيّ يحررنا من التبعية ويعيدنا شركاء في صناعة المستقبل؟
إن أخطر ما نفعله اليوم هو الاكتفاء بمخدرات لغوية وشعارات مفرغة. أما الطريق الأصعب، لكنه الوحيد الممكن، فهو شجاعة التفكير وإنتاج المعرفة وصياغة بديل حضاري يخصنا ويتحدث للعصر.