الشعبُ - مصطلحٌ في علمِ الاجتماعِ والسياسةِ - يشيرُ إلى مجموعةٍ من الأفرادِ أو الأقوامِ يعيشونَ في إطارٍ واحدٍ من الثقافةِ والعاداتِ ضمنَ مجتمعٍ واحدٍ وعلى أرضٍ واحدةٍ. وتتميزُ الشعوبُ بطريقةِ تعاملِ أفرادِها، وشكلِ علاقاتِهم الاجتماعيةِ، وأسلوبِ عقدِها الاجتماعيِّ.
بعدَ قصفِ العقولِ والوجدانِ بكلِّ داناتِ العبثِ والقبحِ المُمنهجِ، والذي يبدو أنه يستهدف تقويض أسس مجتمعنا، فالقصفُ الآنَ يستهدفُ الروحَ عن طريقِ العبثِ بالعقيدةِ الإسلاميةِ تحتَ دعاوى زائفةٍ كاستعمالِ العقلِ، وتنقيةِ التراثِ، ومدنيةِ المجتمعِ، وعلى كافةِ الساحاتِ التي يمكنُ أنْ تؤثرَ في الناسِ وبفجورٍ غيرِ مسبوقٍ. وبكلِّ أسفٍ، حتى الآنَ النجاحُ باهرٌ جدًّا.
يعني إيه العبثُ بالروحِ عن طريقِ العبثِ بالعقيدةِ الإسلاميةِ؟ يعني اختلاطُ الأمرِ على الناسِ في التمييزِ بينَ الحلالِ والحرامِ، يعني أنَّ الحرامَ لبسَ الآنَ ثوبَ الحلالِ بمنتهى السهولةِ؛ فالزنا، الذي حرمته الأديان، يُقدم الآن في صورة 'حب' رومانسي عابر، والرشوة، التي هي إفساد للمجتمع، تُصور كـ'تسهيلات' ضرورية لإنجاز الأعمال، والخيانةُ أصبحتْ وجهةَ نظرٍ، والغيبةُ والنميمةُ أصبحتْ تسليةً، والأنانيةُ أصبحتْ "لا يهم/ليذهب إلى الجحيم" (مع الأخذ في الاعتبار قوة التعبير الأصلية). الأمرُ ليسَ كما يظنُّ البعضُ أنه مجردُ مقالٍ، تمثيليةٍ، فيلمٍ، برامجَ تلفزيونيةٍ... لا لا لا! الأمرُ الحقيقيُّ هو الوصولُ إلى تماثيلَ بشريةٍ متشابهةٍ في التوحشِ الإنسانيِّ، مجردَ مستهلكينَ لمنتجاتِ الفلسفاتِ العالميةِ دونَ وعيٍ. النتيجةُ: أرضٌ بلا شعبٍ.
يثير التساؤل حول الدوافع الخفية وراء هذا العبث بالعقيدة، هل هي محاولة لتشكيل مجتمع تابع، أم تحقيق مكاسب مادية على حساب القيم الروحية؟
يعني إيه العبثُ بالروحِ عن طريقِ العبثِ بالعقيدةِ الإسلاميةِ؟ انعدامُ الأخلاقِ على كافةِ المستوياتِ، سواءٌ اللفظيةِ أو العمليةِ أو حتى التفكيريةِ إنْ وُجدَ تفكيرٌ أصلًا! لذا ترى الوحشَ الإنسانيَّ القاتلَ لكلِّ المعاني الحميدةِ يمارسُ كلَّ فنونِ القتلِ لأخيهِ وجارِهِ وزميلِهِ المسلمِ، وليسَ الآخرِ المختلفِ عنهُ دينيًّا؛ لأنَّ الدينَ أصبحَ عندَهُ علاقةً فرديةً فقط بينَهُ وبينَ ربِّهِ، وما إنْ تنتهيَ العلاقةُ التي تنحصرُ في العباداتِ، ينسى الدينَ تمامًا في المعاملاتِ. وقد ساهم في هذا بعض المثقفين والنخب، عن قصد أو عن غير قصد، في ترويج هذه الأفكار أو تبنيها.
قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ" (رواهُ مالكٌ في الموطأِ بلاغًا). ومنْ ذلكَ قولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "ألا أُخبرُكُمْ بأحبِّكُمْ إليَّ وأقربِكُمْ منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ؟" فأعادَها ثلاثًا أو مرتينِ. قالَ: "أحسنُكُمْ خُلُقًا" (رواهُ أحمدُ وجودَ إسنادَهُ الهيثميُّ). وفي صحيحِ البخاريِّ عنْ معاويةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "إنَّ مِنْ خيرِكُمْ أحسنَكُمْ خُلُقًا". وفي هذا - وغيرها كثيرٌ - ما يُبَيِّنُ عظمةَ الأخلاقِ في الإسلامِ؛ فالمسلمُ بأخلاقِهِ يمكنُ أنْ يكونَ داعيةً للإسلامِ دونَ أنْ يتكلمَ بكلمةٍ، فالناسُ أسرعُ تأثرًا بالأفعالِ منهمْ بالأقوالِ. واللهُ أعلمُ.
إن مواجهة هذا القصف الروحي يتطلب وعيًا عميقًا بما يحاك لمجتمعنا، ومقاومة فكرية وأخلاقية صلبة للحفاظ على هويتنا وقيمنا الإسلامية الأصيلة.
النتيجةُ: أرضٌ بلا شعبٍ.