الازدواجية: قناع النفاق وتشويه الذات
الازدواجية (اسم): اسم مؤنث منسوب إلى ازدواج. ازدواجية الشخصية: أي الظهور بمظهرين.
بمعنى آخر، دائمًا ما يحرم الفرد على الناس ما يحلله لنفسه، ويعتبر هذا التعبير هو أبسط تعريف للازدواجية.
السؤال المطروح بقوة: من الأكثر ازدواجية، الرجل أم المرأة؟
أنا ضد تصنيف رجل وامرأة من البداية؛ أنا أرى إنسانًا فقط. لذا، الازدواجية هي سمة عند الإنسان المشوه نفسيًا.
- الإنسان المشوه نفسيًا: إذا أحب، فهو عند نفسه عاشق، ولكن الآخر ربما يكون في نظره شخصًا "شمال" (غير ملتزم أو سيئ السمعة).
- الإنسان المشوه نفسيًا: يتبع نظرية "سي السيد" (شخصية الرجل المتسلط في رواية لنجيب محفوظ)، حيث يكون أمام الناس مثاليًا، ولكن في حقيقة الأمر هو منتهى الحمق والغباء، لذا يحاول إسقاط تلك الصفات على الآخرين حتى يثبت لنفسه أنه مثالي.
- الإنسان المشوه نفسيًا: كذاب حتى على نفسه، وعندما يرى شخصًا صادقًا، يجن جنونه ويحاول بكل الطرق جعله كذابًا مثله.
الشخصية الازدواجية: وهي انشطار وعي الشخصية للفرد إلى جزأين يعيشهما الفرد في أوقات مختلفة وبالتوالي. شخصيتان، إحداهما تظهر والأخرى تكون مضمرة وبدون معرفة الشخص المصاب بذلك، وحكم فقدان الذاكرة لإحدى الشخصيتين وارد، لأنه بفقدان الذاكرة بإحداهما تظهر الأخرى.
لقد أصبح الازدواج موجودًا لدى غالبية الناس، ولا سيما الساسة ورجال الدين. ولا يقتصر هذا على هؤلاء فقط، بل أصبح موجودًا لدى غالبية أفراد مجتمعنا العربي، بحيث أصبحنا نعتقد بأن هذا الازدواج في الشخصية هو السواء، أو أنه من السمات الحديثة التي يمكن أن توصف بها الشخصية العربية الحديثة.
إذن، هذه الأمراض التي نراها في ازدواجية الشخص، حذرنا الدين منها، فنجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}.
ولكن إحقاقًا للحق في مجتمعاتنا الشرقية، من الأكثر ازدواجية؟ نقولها باطمئنان كامل: الرجل.
لماذا الرجل أكثر ازدواجية؟
هنا سنقول الكثير جدًا، ولكن ملخصه:
- اتباع العيب (ما يستنكره المجتمع عرفًا) دون الالتفات إلى الحلال والحرام (ما حرمه أو أحله الدين).
- ثقافة المجتمع التي تمجد الرجل الدونجوان (صاحب العلاقات النسائية المتعددة) وتمقت المرأة التي لها مشاعر طبيعية.
- نظرية "تحت السجادة" وملخصها: طالما لم ينكشف أمرك، فأنت بخير (مثل التظاهر بالاستقامة علنًا وممارسة سلوكيات منافية للأخلاق سرًا).
أسباب ازدواجية السلوك:
- أولاً: عدم الالتزام بحقائق الدين الإسلامي.
- ثانياً: غياب الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة.
- ثالثاً: المؤثرات الخارجية، ومن أبرزها:
- السفر إلى الخارج.
- الحداثة والعلمانية (فهم خاطئ أو تطبيق مشوه لهما).
- رابعاً: اتباع الهوى والشهوة.
وهنا يمكننا قول ما قال مالك في الخمر وأكثر (إشارة إلى أن الأمر ينطبق على محرمات أخرى أيضًا).
آثار ازدواجية السلوك:
على الفرد:
- أولاً: فقدان الثقة في النفس.
- ثانياً: عدم الاهتمام بالوقت وإضاعته فيما لا فائدة منه.
- ثالثاً: استغلاله من أصحاب النفوس الضعيفة.
على المجتمع:
- أولاً: التخلف عن الأمم المتقدمة.
- ثانياً: تبدد الأخلاق.
- ثالثاً: تفشي الغش والفساد الإداري.
- رابعاً: اهتزاز الصف المؤمن المرصوص (تفكك وحدة المؤمنين).
- خامساً: فقدان الثقة بين أفراد المجتمع الواحد.
ازدواجية السلوك في السنة النبوية:
- الحديث الأول: عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه (أمعاؤه) فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (صحيح البخاري).
- الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تقرض شفاهم (شفاههم) بمقاريض من نار، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" (رواه أحمد في المسند).
- الحديث الثالث: عن جندب بن عبد الله الأسدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء للناس ويحرق نفسه" (رواه الطبراني في الكبير).
سؤال منتهى البراءة:
- كم ترى من الشخصيات التي تتسم بالازدواج ولكن أدبك يمنعك من قولك؟
- هل تثق في الشخص الذي يتسم بالازدواج؟
- هل تجد له عذرًا؟ عن نفسي: لا.
فتش عن الازدواج تجد إجابة لكل ما يحيرك.
في الختام، وبعد أن استعرضنا هذه الآفة الخطيرة التي تنخر في مجتمعاتنا، يبقى الأمل معقودًا على وعي الأفراد بأهمية المصارحة مع الذات والصدق في الأقوال والأفعال. إن التربية السليمة القائمة على القيم الأصيلة والالتزام بتعاليم الدين السمحة هي الدرع الواقي من هذا المرض الفتاك. فلنجتهد جميعًا في تطهير نفوسنا ومجتمعاتنا من ازدواجية السلوك، لنرتقي بأنفسنا وأمتنا نحو الأفضل.