الطفل الذى بداخلنا

                                                                   الطفل الذى بداخلنا 
                                              =========


الطفل الخالد: نافذة الروح إلى فردوس الذات

إنها لحظة فارقة حين تتصارع الأفكار داخل النفس، وتتعاظم الضغوط لاختيار موضوع للكتابة. ولكن بعد معاناة شديدة، وجدتُ القلم ينساب على الورق ليسطر بعض ما يختلج في مكنوني، على أمل أن يصل المعنى كما أبتغيه. سأكتب عن الطفل الذي يسكن أعماق كل منا؛ ذاك الكائن الذي يولد معنا ويبقى شاباً للأبد، لا يمسّه تقادم السنين، مهما مرّت بنا الأيام وتراكمت تجارب الحياة.

هذا الطفل تراه يلهو في لحظات، ويغضب لأتفه الأشياء، ويسعد من أبسط الأمور. غالبًا ما يكون هو المحرك الخفي لكثير من دوافعنا في الحياة، خاصة تلك اللحظات المخملية أو تلك التي تسيطر عليها المشاعر. في لحظات صفاء، قد يصعد بهامته إلى عنان السماء لمجرد كلمة عابرة، أو نظرة حانية، أو أي شيء قد يبدو بسيطًا للآخرين، لكنه بالنسبة له يمثل الدنيا بأسرها. في تلك الأوقات، يرسم ابتسامة تفيض بالبراءة على وجهه، وينطلق إلى دنيا تصدح فيها الأصوات الموسيقية بألحان رائعة، كلها تنويعات على لحن واحد: لحن السعادة الذي يُعزف على أوتار نفسه الشفافة. هذه الدنيا التي يأخذنا إليها رحبة فسيحة، مبهجة وتبعث على الطمأنينة، تجعله يلهو، يرتشف من نبع الحياة، ويتصاعد إلى الدرجات العليا من سماء روحه، ولا يحد من هذا الصعود إلا سقف خياله.

لذا، فَلْنحافظ على هذا الطفل ونرعاه، ولْنُعطه بعضًا من الوقت الذي تحرمنا الحياة الواقعية من إهدائه إليه، حتى مجرد نظرة عطف، وليس الرعاية فحسب. فالحياة اليومية بهمومها وضغوطها غالبًا ما تُنسينا هذا الجانب النقي داخلنا.

إن هذا الطفل الشقي المشاغب، لو وجد الرعاية الكافية، لكانت الحياة من حولنا فردوسًا أو مدينة فاضلة. وإذا كان تحقيق المدينة الفاضلة في واقعنا يبدو مستحيلاً، فَلْنخلقها بداخلنا، ولْنذهب إليها كل فترة، حتى يتم استشفاؤنا من أدران الواقع المعاش وهمومه. وإلا، فإن هذا الطفل قد ينقلب إلى شيطان رجيم يعكر صفو حياتنا تمامًا، ويجعل منها جحيمًا يُمارس فيه كل الشرور من كذب ونفاق وادعاء وغرور وما شابه ذلك من مساوئ تملأ وجودنا.

فلْنُلقِ نظرة عطف وحنان على أطفالنا الذين بداخلنا، حتى تستمر الحياة بيسر وسهولة. يكفيه ما يلاقيه من عنت الحياة الواقعية، فلا نكون نحن أيضًا عبئًا عليه بقلة الاهتمام أو الإهمال.

فلْنَهتف جميعًا: فَلْيحيَ أطفالنا الأبرياء الذين بداخلنا! فهم سر سعادتنا وبهجة أيامنا، وحصننا الأخير من قسوة العالم.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.