الصوفية
مالها وما عليها
بحث بسيط عنها
الجزء الرابع
==========
وحدة الوجود والحلول والاتحاد
================
إِن من أهم ما ينتقد به المعارضون للصوفية اتهامهم بأنهم
يقولون بالحلول والاتحاد، بمعنى أن الله قد حلَّ في جميع أجزاء الكون؛ في البحار
والجبال والصخور والأشجار والإِنسان والحيوان، أو بمعنى أن المخلوق عين تعالى الله
عن ذلك علواً كبيراً. ويرى الصوفية أنه لاشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد
الأمة الإسلامية. فالصوفية ينفون هذه التهمة عن أنفسهم جملة وتفصيلا، ويحذرون من
أن يرميهم أحد بهذه العقيدة الكفرية جزافاً دون تمحيص أو تثبت، ومن غير أن يفهم
مرادهم، ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها صريحة واضحة في أُمهات كتبهم،
كالفتوحات المكية للشيخ الاكبير محي الدين ابن عربي ، وإحياء علوم الدين للامام
أبو حامد الغزالي ، والرسالة القشيرية للامام ابي القاسم القشيري الشافعي والمثنوي
لجلال الدين الرومي وغيرها
صرح أئمة الصوفية في كتبهم برفضهم لعقيدة وحدة الوجود
والحلول والاتحاد بالمعنى السابق ذكره، والتي منها:
يقول الشعراني : ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم
يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى
الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما
تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم م، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم
أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن
الله بكل شيء محيط
قال الشيخ محي الدين بن عربي في عقيدته الوسطى: اعلم أن
الله واحد بالإِجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو
يتحد في شيء
وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله،
ولو بلغ أقصى درجات القرب، وحاشا العارف من هذا القول حاشاه، إِنما يقول: أنا
العبد الذليل في المسيروالمقيل
وقال في باب الأسرار: من قال بالحلول فهو معلول، فإِن
القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل
بالحلول من أهل الجهل والفضول
وقال أيضاً في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم
دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلاً أن القمر ليس فيه
من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إِليه بذاتها، وإِنما كان القمر محلاً لها،
فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه
قال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة
والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعتُ، بالشيخ أبي
العباس المرسي - تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي - وفاوضْته في هؤلاء
الاتحادية، فوجدته شديد الإِنكار عليهم، والنهي عن طريقهم، وقال: أتكون الصنعة هي
عين الصانع؟
قال أبو حامد الغزالي: وأما القسم الرابع وهو الاتحاد
فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه،
بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه
المحالات...فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال...فأصل الاتحاد إذا باطل... وأما القسم
الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال أن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد
حل في الرب، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين
قال الإمام أحمد بن عجيبة في تفسيره البحر المديد: واعلم
أن ذات الحق ـ جلّ جلاله ـ عمّت الوجود، فليست محصورة في مكان ولا زمان، { فأينما
تُولوا فَثَمّ وجه الله } ، فأسرار ذاته ـ تعالى ـ سارية في كل شيء، قائمة بكل
شيء، كما تقدّم، فهو موجود في كل شيء، لا يخلو منه شيء، أسرار المعاني قائمة
بالأواني، وإنما خصّ الحق ـ تعالى ـ السماء بالذكر؛ لأنها مرتفعة معظّمة، فناسب
ذكر العظيم فيها، وعلى هذا تُحمل الأحاديث والآيات الواردة على هذا المنوال. وليس
هنا حلول ولا اتحاد؛ إذ ليس في الوجود إلاّ تجليات الحق ومظاهر ذاته وصفاته، كان
الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه، فما مثال الكون إلا كجبريل حين
يتطوّر على صورة دحية، غير أنَّ رداء الكبرياء منشور على وجه ذاته وأسرار معانيه،
وهو ما ظهر من حسن الكائنات، وما تلوّنت به الخمرة من أوصاف العبودية. ولا يفهم
هذا إلاَّ أهل الذوق السليم. وبالله التوفيق.
---------------------
تأويلهم لأقوال أوهمت وحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد
=============================
وأما ما ورد من كلام الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهره
الحلول والاتحاد، فيقولون أنه إما مدسوس عليهم، بدليل ما سبق من صريح كلامهم في
نفي هذه العقيدة . وإِما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة والنحلة ، ولكن بعض
منتقديهم حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم ، ورموهم بالزندقة والكفر. أما
غيرهم فقد فهموا كلامهم على معناه الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأدركوا
تأويله بما يناسب ما عرف عن الصوفية.
قال جلال الدين السيوطي : واعلم أنه وقع في عبارة بعض
المحققين لفظ الاتحاد، إِشارة منهم إِلى حقيقة التوحيد، فإِن الاتحاد عندهم هو
المبالغة في التوحيد. والتوحيد معرفة الواحد والأحد، فاشتبه ذلك على من لا يفهم
إِشاراتهِم، فحملوه على غير محمله؛ فغلطوا وهلكوا بذلك.. إِلى أن قال: فإِذن أصل
الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية
وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة
علمهم وسوء حظهم من الله، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى :
اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا
حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق
سبحانه
وقال: وقد يُذْكَر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات، وبقاء
الموافقات، وفناء حظوظ النفس من الدنيا، وبقاء الرغبة في الآخرة، وفناء الأوصاف
الذميمة، وبقاء الأوصاف الحميدة، وفناء الشك، وبقاء اليقين، وفناء الغفلة وبقاء
الذكر
وقال: وأما قول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني، ما أعظم
شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على
الحكاية، ولا يُظَنُّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد، لأن ذلك غير مظنون بعاقل،
فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات. ولا يُظَنُّ بالعقلاء
المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع
الغلطُ بالحلول والاتحاد، كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى. وإِنما حدث ذلك
في الإِسلام من واقعاتِ جهلةِ المتصوفة، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم
من ذلك.. إِلى أن قال: والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك، فيطلق على المعنى المذموم
الذي هو أخو الحلول، وهو كفر. ويطلق على مقام الفناء اصطلاحاً اصطلح عليه الصوفية،
ولا مشاحة في الاصطلاح، إِذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح، لا محذور
فيه شرعاً، ولو كان ذلك ممنوعاً لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد، وأنت تقول:
بيني وبين صاحبي زيد اتحاد. وكم استعمل المحدِّثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ
الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية. كقول المحدِّثين: اتحد مخرج الحديث. وقول
الفقهاء: اتحد نوع الماشية. وقول النحاة: اتحد العامل لفظاً أو معنى. وحيث وقع لفظ
الاتحاد من محققي الصوفية، فإِنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس،
وإِثبات الأمر كله لله سبحانه، لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد
نقل الشعراني عن الشيخ علي بن وفا قوله: المراد بالاتحاد
حيث جاء في كلام القوم فناء العبد في مراد الحق تعالى، كما يقال: بين فلان وفلان
اتحاد، إِذا عمل كل منهما بمراد صاحبه
قال الشيخ ابن القيم في كتابه مدارج السالكين شرح منازل
السائرين: الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين،
وهو الفناء عن إِرادة السوى، شائماً برق الفناءِ عن إِرادة ما سواه، سالكاً سبيل
الجمع على ما يحبه ويرضاه، فانياً بمراد محبوبه منه، عن مراده هو من محبوبه، فضلاً
عن إِرادة غيره، قد اتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري، لا
المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحداً.. ثم قال: وليس في العقل اتحاد صحيح
إِلا هذا، والاتحاد في العلم والخبر. فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحداً
مع تباين الإِرادتين والعلمين والخبرين، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد
المحبوب، وفناء إِرادة المحب في مراد المحبوب. فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص
المحبين وفناؤهم؛ قد فَنَوْا بعبادة محبوبهم، عن عبادة ما سواه، وبحبه وخوفه
ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه. ومَنْ تحقق بهذا
الفناء لا يحب إِلا في الله، ولا يبغض إِلا فيه، ولا يوالي إِلا فيه، ولا يعادي إِلا
فيه، ولا يعطي إِلا لله، ولا يمنع إِلا لله، ولا يرجو إِلا إِياه، ولا يستعين إِلا
به، فيكون دينه كله ظاهراً وباطناً لله، ويكون الله ورسولهُ أحبَّ إِليه مما
سواهما، فلا يوادُّ من حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إِليه، وحقيقة ذلك
فناؤه عن هوى نفسه، وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه، والجامع لهذا كله تحقيق
شهادة أن لا إِله إِلا الله علماً ومعرفة وعملاً وحالاً وقصداً، وحقيقة هذا النفي
والإِثبات الذي تضمنتْهُ هذه الشهادة هو الفناء والبقاء، فيفنى عن تأله ما سواه
علماً وإِقراراً وتعبداً، ويبقى بتألهه وحده، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة
التوحيد، الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم، وأُنزلت به الكتب، وخلقت
لأجله الخليقة، وشرعت له الشرائع، وقامت عليه سوق الجنة، وأسس عليه الخَلْق
والأمر.. إِلى أن قال: وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإِرادة. والمعصوم
من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة
قال الشيخ ابن تيمية في تبرئة الصوفية من تهمة القول
بالاتحاد: ليس أحد من أهل المعرفة بالله، يعتقد حلول الرب تعالى به أو بغيره من
المخلوقات، ولا اتحاده به، وإِن سُمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير
منه مكذوب، اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية، الذين أضلهم الشيطان وألحقهم
بالطائفة النصرانية.
وقال: وأما قول الشاعر في شعره: (أنا مَنْ أهوى، ومَنْ
أهوى أنا) فهذا إِنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي، كاتحاد أحد المحبّين
بالآخر، الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر، ويبغض ما يبغضه، ويقول مثل ما يقول، ويفعل
مثل ما يفعل؛ وهذا تشابه وتماثل، لا اتحاد العين بالعين، إِذا كان قد استغرق في
محبوبه، حتى فني به عن رؤية نفسه
----------------------------
أفكار أخرى
=======
الكشف: هو نور يحصل للسالكين في سيرهم إِلى الله؛ يكشف
لهم حجاب الحس، ويزيل دونهم أسباب المادة نتيجة لما يأخذون به أنفسهم من مجاهدة
وخلوة وذكر.
الفراسة: والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها،
يقول ابن عجيبة: الفراسة هي خاطر يهجم على القلب، أو وارد يتجلى فيه، لا يخطئ
غالباً إِذا صفا القلب، وفي الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن، فإِنه ينظر بنور الله)
، وهي على حسب قوة القرب
والمعرفة، فكلما قوي القرب، وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة، لأن الروح إِذا قربت من
حضرة الحق لا يتجلى فيها غالباً إِلا الحق
الإلهام / التحديث: وهو ما يُلقَى في الرُّوع بطريق
الفيض. وقيل: الإلهام ما وقع في القلب من علم.
العلم اللدني: ويتحدث عنه الصوفية والذي يكون في نظرهم
لأهل النبوة والولاية، كما كان ذلك للخضر، حيث ورد ذلك في الآية القرآنية:
(وعلمناه من لدنّا علماً).
النبي محمد: ويعتقدون بالأخذ عنه يقظةً ومناماً
. ويعتقدون بأنه باب الله
ووسيلته العظمى إليه[
وأنه بشر ولكن ليس كالبشر[
ويعتقدون أن محبته شرط في الطريق، لذلك يكثرون من ذكره
ومن الصلاة عليه ومن مديحه وإنشاد الشعر فيه، ولهذه الأمور يكثرون من إقامة
الموالد والذي يقومون فيه بالإنشاد والوعظ والتحدث في سيرته وشمائله، ولا يجيزون
فيه الاختلاط ولا باقي المحرمات.
الشيخ المربي: لابد في التصوف من التأثير الروحي، والذي
يأتي بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه حتى تصل سلسلة التلقي في سند متصل من
الشيخ إلى الرسول محمد بن عبد الله. فيقولون: من لا شيخ له فشيخه الشيطان!
البيعة: يبايع فيه المريد المرشد، ويعاهده على السير معه
في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان، والترقي
في مقاماته. وهو بمثابة الوعد والعهد.
المجاهدة : يقول الصوفية : التخلي ثم التحلي ثم التجلي,
التخلي عن الأخلاق الذميمة ، والتحرر من قيود القوى الظلمانية في النفس من الشهوة
والغضب والحسد، أخلاق الحيوانات والسباع والأبالسة. ثم التحلي بالأخلاق الحميدة
،واستنارة القلب والنفس بنور سيدنا رسول الله وأهل بيته, ثم تجلي أنوار الله لعين
القلب بعد محو الحُجُب التي كانت تحجب القلب عن المشاهدة والتنعم بها. وهذا هو
أعلى نعيم أهل الجنة، يكرم الله به خواص عباده المحبوبين له في هذه الدار، كلٌ
بحسب حظه ونصيبه من رسول الله.
التبرك: وهو طلب البركة من الله من طريق الأسباب
الشرعية، وأعظمها التوسل إليه بذلك المتبَرّك به، سواء أكان شخصا أو أثرا أو
مكانا. وهذه البركة كما يعتقدون تُطلب بالتعرض لها في أماكنها بالتوجه إلى الله
ودعائه. ويستدلون بالقصص الكثير الواردة بتبرك الصحابة بالنبي محمد؛ بشعره وعرقه
ودمه وموضع صلاته
التوسل: هو أحد طرق الدعاء، وباب من أبواب التوجه إلى
الله، والمتوسل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله، والتوسل حسب اعتقادهم
يكون بالأنبياء أو الأولياء، أو يكون بالأعمال الصالحة للإنسان، وأعظم هذه الوسائل
عندهم هو النبي محمد.
معرفة الله ومعرفة النفس : في الحديث ( من عرف نفسه عرف
ربه ) قال أهل التصوف : من عرف نفسه بالنقص والحاجة والعبدية، عرف ربه بالكمال
والغنى والربوبية، ولكن قليل من يعرف نفسه بهذا المعنى ويراها على حقيقتها، فأغلب
الناس ينازعون الربوبية ويعترضون على القدر ولا يرضون بحكم الله ويقل فيهم التوكل
ويعتمدون بقلوبهم على الأسباب، فهي مشهدهم وموضع نظرهم، وليس مشهدهم أن الله تعالى
هو المتصرف المعطي المانع.. أكثر الناس يعيشون أسرى نفوسهم.
ولذلك قال الصوفية (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)
فلا سبيل لأحد إلى معرفة الله تعالى ما دامت فيه بقية من نفسه الأمارة بالسوء،
لأنها أغلظ حجاب بين العبد وربه.. ولا سبيل إلى قطع واقتحام هذه العقبة إلا بشيخ
من شيوخ الطريق، من خارجها، يصل السالك أو المريد مدد سيده رسول الله ص من خلال
شيخه هذا، مدد يعينه على اقتحام عقبة نفسه الأمارة لتموت ويولد صاحبها ولادة أخرى
(موتوا قبل أن تموتوا)، ومن الطبيعي أنه لا يمكن للنفس أن تسمح لصاحبها أن ينتصر
عليها دون معين من خارجها من المشايخ الكُمّل.
القبور: اعتنى الصوفية بقبور الأنبياء والصالحين
والأولياء، فشيّدوا حولها المساجد، وبنوا عليها القباب، وذلك حفاظا عليها من
الاندثار، وضياع هذه المعالم. وأصبحوا يقصدونها طلبا للبركة، وطلبا لاستجابة
الدعاء من الله عندها. ويرون أنهم بذلك متبعون لأئمة السنة، حيث يقولون بأنه وردت
نصوص من هؤلاء الأئمة على جواز البناء على قبور الصالحين والأولياء. وجواز قصدها
للتبرك.