كلماتعشق مولانا - الجزء السادس والثلاثون رقصة القلوب: حين يتجاوز الحب حدود الجسد.

كلماتعشق مولانا - الجزء السادس والثلاثون
  • رقصة القلوب: حين يتجاوز الحب حدود الجسد.
  • =========================


    للصمت أبجدية: أبجدية فريدة لا تُرى بالعين المجردة، بل تُقرأ بلغة الروح وحدها. حروفها ليست نقوشًا على ورق، بل هي نظرة طويلة تخترق الحجب وتفضح ما تخفيه الكلمات العابرة، ولمسة دافئة تسري كشعلة خفية تشعل أعمق المشاعر الكامنة في الأعماق، وسكون مشترك يلفنا بهالة من الفهم العميق المتبادل، أبلغ وأكثر بلاغة من ألف حديث عابر أو كلمة مستعجلة. في هذا الصمت المقدس، تتلاقى الأرواح وتتحدث القلوب بلغة لا تحتاج إلى ترجمة.

    من أحلى الكلمات: كلمات الصمت: تلك اللحظات المقدسة التي تتلاشى فيها الحاجة الملحة إلى التعبير اللفظي، حيث تتلاقى الأرواح وتتحد في صمت مُفعم بالفهم العميق والسكينة الروحية، كأن الزمن نفسه يتوقف عن الدوران ليصغي باهتمام إلى نبض قلبينا المتوحدين في عالم من المشاعر الصادقة. في هذا الفراغ الظاهري، تكمن أعمق المعاني وأصدق الأحاسيس.

    السعادة: أن تتراقص داخليًا على أنغام صوتها: صوتها ينساب إلى أذني المرهفة كنسمة هواء دافئة في يوم بارد وقارس، يتحول في داخلي إلى لحن عذب وشجي، تتراقص على أنغامه روحي بخفة وابتهاج لا يوصف، يغمرني شعور طاغٍ بالدفء والسلام الداخلي العميق، وكأن أشعة الشمس الذهبية تضيء فجأة زوايا قلبي المظلمة التي لم تطأها قدم من قبل. في هذا الرقص الروحي، تتجلى السعادة بأبهى صورها.

    قلت ألا تشتاق لي؟ قالت لا: لم يكن نفيًا قاطعًا أو ردًا فاترًا، بل إعلانًا عن حقيقة أعمق وأكثر شمولًا. كيف أشتاق وأنت في كل الأشياء؟ أنت تسكن أدق تفاصيل يومي الروتيني، في الماء البارد الذي أرتوي به في حر الظهيرة، والهواء النقي الذي أتنفسه بعمق ليملأ رئتي، في الصحو الذي أراك فيه بوضوح كالشمس في كبد السماء، والمنام الهادئ الذي أحلم بك فيه طيفًا يزور مخيلتي. لم تعد مجرد غائب بعيد يُشتاق إليه بمرارة، بل أنت الحياة كلها بكل ما فيها من جمال وتنوع.

    تحدثت إليها فتبسمت ثم ضحكت فسئلت لما؟ قالت ماذا أفعل غير ذلك والكون كله يكلمني بصوتك؟ السعادة: صوتك الساحر يتجاوز حدود الزمان والمكان الضيقة، يتردد صداه العذب في همس الرياح العابرة بين الأشجار، في خرير الماء المتدفق في الجداول والأنهار، في تغريد الطيور الصباحي الشجي الذي يستقبل يومًا جديدًا، ليصبح لغة الكون الفسيح الذي يحيط بنا من كل جانب، وهمس الوجود العميق الذي يترنم باسمك في كل لحظة. ردة فعلها العفوية هي انعكاس طبيعي للسعادة الغامرة التي تغمر قلبها بهذا الشعور الكوني الذي يوحد أرواحنا ويجعلهما كيانًا واحدًا.

    عندما تتحدث تكون الحروف جزءًا منها والكلمات تتجسد لتكون هي: تتجاوز الكلمات معناها اللغوي البارد والمجرد، لتنبعث منها روحها المتوهجة بالإحساس الصادق، لتصبح تجسيدًا حيًا وناطقًا لجوهرها الآسر وجمالها الفريد. فأراها وهنا أغيب عن الوعي: في حضرة هذا التجلي الكامل والساحر، يتلاشى الوعي المرهق بالواقع المادي المحيط بنا، وأغرق في بحر عميق من الحضور الطاغي الذي يملأ كياني ويسيطر على حواسي، تاركًا خلفي عالمًا ماديًا باهتًا.

    عندما أقابلها لا أكون أنا وأغير نفسي حتى أكون أنا لها هي فقط: في لحظة لقائها الساحرة، تتلاشى حدود "أنا" الصلبة والمعهودة، وأعيد تشكيل ذاتي برغبة عارمة وشوق دفين لأتنفس أنفاسها وأعيش لحظاتها، لأصبح النسخة التي تحتضنها روحي وتتوق إليها بكل جوارحي. هل هو فقدان مؤقت للذات أم اكتمال لوجه آخر كامن فيها؟ سؤال يتردد صداه في أعماقي دون أن يجد إجابة قاطعة أو تفسير نهائي.

    إن تتكلما حينا من الوقت فتنصهرا حتى تمتزجا: يتجاوز الحديث بيننا مجرد تبادل سطحي للأفكار العابرة والكلمات المعتادة، ليتحول إلى تيار جارف من المشاعر المتدفقة كشلال دافئ يروي الروح، تنصهر فيه أرواحنا وتتحد في بوتقة واحدة، من خلال تلاقي الأفكار المتناغمة والمنسجمة، والمشاعر المشتركة العميقة التي تضيء صمتنا المريح بنور الفهم المتبادل والتوافق الروحي. إذن أنتما عشاق حقيقيان تجاوزا حدود المادة.

    إن تسمع دقات قلبك وهي تتراقص على أنغام صمتها الجميل المعبر بعد أن تخلل همسات حبك إلى مسامها: صمتها لم يكن فراغًا موحشًا أو جمودًا عاطفيًا، بل لحنًا خفيًا ساحرًا استقبل همسات حبي الدافئة التي تسللت إلى أعماق روحها وتفاعل معها برقة وعذوبة، لترتفع دقات قلبي متراقصة على أنغام هذه السكينة المتبادلة والوئام الروحي، كطائر حر يغرد فرحًا في سماء اللقاء الذي طال انتظاره. إذن أنتما عشاق تتحدث قلوبكما بلغة لا يفهمها سواكما.

    أرهفوا السمع لعل الموسيقى الداخلية تشنف أرواحكم: استمعوا بقلوبكم المرهفة وآذان أرواحكم إلى تلك الألحان الخفية التي تعزفها أرواحكم في صمتها العميق، فقد تحمل في طياتها غذاءً ثمينًا للروح وشفاءً عميقًا للقلب، وكنوزًا دفينة من المعاني والأسرار التي تعجز الكلمات الفانية عن وصفها أو الإحاطة بها.

    التعليقات
    0 التعليقات

    ليست هناك تعليقات :

    إرسال تعليق

    مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.