أكتب أساسًا لنفسي؛ لإنني بألاقي متعة فريدة، كيف كده بالبلدي، لما بتتبع الخيوط المتشابكة اللي بتجري في أعماق ذهني، وأعيد صياغتها وتحويلها إلى نسيج من الكلمات المترابطة والمنسجمة. هذه العملية تشبه اكتشاف كنز دفين في أعماق الروح، كنزًا من المشاعر والأفكار التي تستحق أن تُرى وتُتأمل. إنها رحلة استكشاف داخلية عميقة، أغوص فيها في ثنايا ذاتي، وأعيد إلى السطح تلك الجواهر الدفينة التي تروي شغفي بالكتابة حتى قبل أن تحتضنها عين القارئ أو يستمع إليها أذن. هذه اللحظات من التجلي الإبداعي هي المكافأة الحقيقية لي.
ثانيًا، دلوقتي مبقتش بأخلي الشغف ده حبيسًا لصدري أو قابعًا في زوايا عقلي المظلمة، لأ، بأشاركه وبأجود به على آخرين، على أحبة وأفاضل بأستنير بصفاء أرواحهم ونقاء قلوبهم وعمق تفكيرهم الثاقب، أولئك الذين قد لا يمتلكون نفس الأدوات اللغوية أو القدرة على صياغة رؤاهم المعقدة والمتشعبة على الورق. بأعتبر كلماتي دي بمثابة جسر ممتد ببنائه المتين، بيربط بين عالمي الداخلي وعوالمهم الغنية بالتجارب والأفكار، ويمكن كمان يوصل لهم معاني وأفكار ربما كانت مبهمة أو غير واضحة بالنسبة لهم قبل كده، أو يمنح أصواتهم صدى ربما لم يجدوه لولا هذه المشاركة الروحية والفكرية.
إذن، ليه الاستعجال واللهفة على صيت وشهرة ممكن تيجي في يوم من الأيام أو متجيش خالص؟ ما هو العائد المرجو منها في نهاية المطاف غير وجع الدماغ وزحمة الأفكار اللي ممكن تشتت الانتباه عن الجوهر الحقيقي للكتابة؟ أنا مش هكون أبدًا من ضمن تلك النخبة اللي بتتنقل بخفة ومهارة بين موائد المصالح المتعددة، باحثة عن فتات الشهرة الزائلة أو المكاسب المادية الوقتية؛ فأصالة كلمتي، اللي بتنبع من صميم تجربتي الإنسانية وصدق مشاعري، أغلى وأثمن عندي بكتير من أي بريق أو صدى ممكن يبهت ويزول مع مرور الوقت وتقلبات الزمان.
يبقى لمين بأكتب بالظبط وبأوجه كلامي ده؟ أنا موجود هنا وسطكم وبينكم، يا اللي بتقدروا قيمة الحرف اللي نبت وسقى من تربة الروح الطاهرة، وارتوى بعصارة صراع الأفكار المحتدم في ساحة الوعي الجمعي. أنتم الشهود الحقيقيين والمنصفين على رحلة الكلمة دي، وعلى صدق النوايا الكامن وراءها.
تبًا وسحقًا لنشر سطحي، عامل زي اللي ماشي في الدنيا بعين مغمضة ومش قادر يشوف الجمال الحقيقي اللي مستخبي ومتواري في الكلمة الصادقة، مش حاسس أبدًا بقيمة المداد الطاهر اللي بينزل من أعماق الروح، ولا بيقدر عناء المخاض الفكري الشاق اللي بيحصل جوا الواحد عشان يقدر يطلع كلمة صادقة ومؤثرة! مش هستنى وأتذلل عشان حد يعترف بكلامي أو ينشره هنا ولا هناك، فهدفي الأسمى والأعمق إن كلماتي دي توصل للقلوب الطيبة اللي هتفهمها وتحتضنها بصدق وإخلاص، لإنني مؤمن يقينًا إن صوتي له نبرة مختلفة وصدى مميز، ممكن يكون هادي ومش عالي بس أصيل وبينبع من مكان عميق، وبأشوف نفسي كاتب بيقطف ثمار أفكاره الغضة طازجة، ومش محتاج أبدًا إنه يحط لها أي مساحيق تجميل تجارية زائفة أو خداعة عشان تعجب الناس أو تروج في الأسواق. أنا بأكتب منكم وإليكم، بأستلهم الوحي من حياتكم اليومية وتجاربكم الإنسانية المتنوعة، وبإحساس صادق ونقي طالع من أعماق قلبي وروحي، مش مجرد حروف مرصوصة جنب بعضها بطريقة باردة وخالية من الروح.
لإنني بأرى العالم من منظوري الخاص والفريد، ويمكن بأشوفه بزاوية مختلفة وجديدة بتختلف عن زوايا ورؤى ناس تانيين ممكن يكونوا شايفين نفس الحدث أو نفس الموقف، وبأحس برغبة قوية وملحة إني أشارككم الرؤية المتفردة دي، على أمل إنها تثير جوّاكم تساؤلات جديدة ومختلفة أو تفتح لكم أبواب وآفاق ما كنتوش شايفينها أو واخدين بالكم منها قبل كده.
لإنني بأمارس فن بأعتبره ملكي وخاص بي، فن الكتابة اللي بيحفز العقل على طول إنه يسأل ويبحث ويدور على المعنى الحقيقي للأشياء، وللروح إنها تبحث بجد واجتهاد عن الحكمة والجوهر، فن بيدعو للتفكير النقدي العميق والقراءة المتأنية، بعيدًا كل البعد عن إملاءات السوق الاستهلاكي وضغوط الكتابة التجارية السريعة اللي كل همها إنها ترضي الأذواق السطحية وتحقق الإعجاب السريع والزائل.
هأكتب وهأكتب، لنفسي أولًا كملجأ آمن ومرآة صادقة تعكس حقيقة ذاتي، ولكم ثانيًا كدعوة صادقة للتأمل العميق والحوار البناء، ففي الفعل المشترك النبيل ده بألاقي الغاية الحقيقية والرضا العميق اللي بأبحث عنه.
ووحده الصدق، اللي بينبع من أعماق الروح وبينساب على الورق بحرارة الإحساس، هو اللي بيفضل وصدى صوته بيدوم طويلًا في قلوب وذاكرة القراء.