- عندما يصبح الطموح لعنة: قراءة في فيلم "المتسلل ليلاً"
- Nightcrawler
فيلم "المتسلل ليلاً" (Nightcrawler): قراءة في صعود الرأسمالية المتوحشة وتأثير "الفن السام"
يبدأ فيلم "المتسلل ليلاً" للمخرج دان गिलروي بصدمة بصرية وأخلاقية: فعل عنف بارد يرتكبه رجل يسعى للصعود بلا قيود. هذا المشهد يضعنا مباشرة في عالم "لو بلوم" (جيك جيلنهال في أداء مُتقن)، شخصية تتجاوز حدود القانون والأخلاق في بحثها النهم عن المكاسب الشخصية. سرعان ما يكشف الفيلم عن عالم مُظلم حيث تُستغل المآسي وتُباع الأخلاق على مذبح الطموح، مُسلطًا الضوء على "الأخلاق الانتقائية" التي تحكم بعض جوانب عالم الأعمال و"الدور القذر" الذي تلعبه وسائل الإعلام في هذا السياق.
"حرامي" يولد من جديد: الأخلاق على محك الربح:
رفض المجتمع لـ "لو" كـ "حرامي" بعد بيعه الحديد المسروق يكشف عن مفارقة مُرّة: الفعل الإجرامي يُستغل لتحقيق الربح، لكن مرتكبه يظل منبوذًا. هذه النقطة تُمهد لظهور "لو" في مهنته الجديدة كمصور حوادث، حيث يرى في مآسي الآخرين سلعة قابلة للبيع. هنا، يتجلى الدور المشبوه لوسائل الإعلام في تغذية ثقافة الاستغلال، حيث يصبح السبق والإثارة هما العملة الرائجة، بغض النظر عن التداعيات الأخلاقية.
صعود بلا ضمير: الرأسمالية المتوحشة في أبهى صورها:
طموح "لو" الأعمى لامتلاك شركته الخاصة ورفضه للشراكة يُجسد روح الرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف إلا بالسيطرة الفردية. يصل به الأمر إلى التلاعب بحياة منافسه ومساومة "نينا" على العمل والعلاقة، كاشفًا عن غياب أي وازع أخلاقي في سبيل تحقيق أهدافه. صعود "لو" هو شهادة على عالم يكافئ الانتهازية واللامبالاة.
"لقطة العمر": عندما يصبح الموت سلعة مربحة:
ذروة صعود "لو" تأتي بتصويره الحصري لجريمة قتل، وهي "لقطة العمر" التي تفتح له أبواب الثراء والسلطة. حتى تسببه غير المباشر في مقتل مساعده "ريك" يُستغل لبيع شريط حصري آخر، ليظل "لو" حرًا في نهاية المطاف، مؤسسًا لامبراطوريته القائمة على استغلال الموت والمعاناة.
"الفن السام": تطبيع اللاأخلاقية تحت ستار الموهبة؟:
يثير الفيلم تساؤلات مقلقة حول "صناعة" رجل الأعمال في عالم قاسٍ. صعود "لو" يتم على حساب الآخرين، ويُقدم كشخص "موّهوب" في استغلال الفرص، مما يطرح خطر "الفن السام" الذي قد يُطبعن مثل هذه السلوكيات لدى المشاهد دون إدانة واضحة.
الرأسمالية كـ "دين جديد": المادة إلهًا:
تشبيه الرأسمالية المتوحشة بالـ "دين الجديد" يلخص بشكل بليغ منطق الفيلم، حيث تصبح المادة هي القيمة العليا التي تُضحى من أجلها كل القيم الإنسانية، ووسائل الإعلام هي الكاهن الذي يُروج لهذه العقيدة.
دوافع "لو" ونظرة أعمق:
هل الدافع هو مجرد طمع، أم أنه ينبع من شعور بالنبذ ورغبة ملتوية في إثبات الذات؟ استكشاف هذه الجوانب النفسية والاجتماعية يضيف عمقًا لفهم هذه الشخصية المظلمة.
الجوانب الفنية والجو المظلم:
يتميز الفيلم بتماسك السيناريو وهدوء الإخراج، مع أداء مُذهل لجيك جيلنهال. استخدام الإضاءة الليلية الداكنة يخلق جوًا من الغموض والانحلال الأخلاقي الذي يُغلف الأحداث.
سياقات سياسية واجتماعية محتملة:
ربط الفيلم بسياسات تاتشر وريجان يُقدم زاوية تحليلية مثيرة للاهتمام حول انعكاس الفكر الليبرالي المتطرف على القيم المجتمعية.
ختامًا:
"المتسلل ليلاً" يقدم صورة قاتمة ومقلقة لعالم الأعمال ووسائل الإعلام، ويُجبرنا على مواجهة تساؤلات صعبة حول الأخلاق والقيم في مجتمع يُقدس النجاح المادي بأي ثمن. إنه عمل سينمائي مُتقن يترك المشاهد غارقًا في التفكير.