غضبنا من ترامب أم منّا؟

 

غضبنا من ترامب أم منّا؟

===========


قراءة في تحوّلات الوعي العربي بعد عودة ترامب والهدنة الهشة في غزة

بقلم: محسن باشا
أكتوبر 2025

من جديد، يعود دونالد ترامب إلى صدارة المشهد العالمي، ومعه يعود الغضب العربي القديم في ثوب جديد.
غضب يختلط فيه العَتب بالدهشة، وكأنّ الرجل أتى بما لم يفعله من سبقه.
لكن الحقيقة أن ترامب لم يبتكر الشرّ، بل فقط نزع عنه قناعه المزيّن بالابتسامات الدبلوماسية.
هو قال علنًا ما مارسته الإدارات الغربية منذ عقود:
نحن — في نظرهم — حقول تجارب للأسلحة، وأسواق استهلاك مفتوحة، وخزائن متروكة للنهب تحت شعاراتٍ براقة.

الصراحة الوقحة... والسياسة المضلّلة

غضبُ البعض من ترامب ليس لأنّه ظالم، بل لأنه صريح أكثر من اللازم.
قالها بلا تلوين ولا رتوش، بينما نحن اعتدنا الوجوه الناعمة التي تبتسم وهي تخنق.
صدمنا لأننا نحب الخداع المبطّن أكثر من الحقيقة العارية.

لكن قبل أن نُفرغ كل الغضب في الخارج، فلننظر قليلاً إلى الداخل الذي تفوح منه رائحة العفن السياسي.
من العراق الذي لم يستفق من جراحه، إلى سوريا التي نزفت حتى الجفاف، إلى اليمن الذي صار ساحة تصفية حسابات، والسودان الذي يُذبح تحت لافتة “السلام”، وليبيا التي تائهة بين البنادق.
هل نحن في موقعٍ يُخَوّلنا للغضب من الآخر، ونحن لم نُصلح أنفسنا بعد؟

سلام غزة... أم استراحة المقاتلين؟

في أكتوبر الجاري، وُقّعت أولى مراحل الهدنة بين إسرائيل وحماس برعاية مصرية وغطاء أمريكي واضح.
ترامب وصفها من الكنيست بأنها "فجر جديد في الشرق الأوسط".
لكن هذا الفجر — مثل كل فجر سياسي في منطقتنا — ملبّد بالغبار والأسئلة.
من سيحكم غزة؟
هل سيصمد وقف النار؟
وهل سيتحول “السلام” إلى بداية تقسيمٍ جديد أم إلى فرصة حقيقية للحياة؟

الكلّ يحتفل، لكن الخوف يهمس في الخلفية: من كتب السيناريو هذه المرة؟

الخطر الحقيقي... ضعف الداخل لا قوة العدو

الذين يبكون على “الإسلام المهدّد” كلما تحدث زعيم غربي، ينسون أن الله لا يُحمى، بل هو الحامي.
الدين لا يُخاف عليه من ترامب أو غيره، بل من ضعفنا نحن، من إيمانٍ شكليّ لا عمل فيه ولا فكر.
قال الرسول ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، ولم يحدد نوع القوة.
هي قوة العمل، والإبداع، والحيطة، والاستغناء عن الوصاية الأجنبية.

بدل الدموع، فلنسأل:
هل نمارس الإسلام كقيمة أم كشعار؟
هل نحن فاعلون في التاريخ، أم مجرد متفرجين نُصفق ونشتم حسب ما يُعرض على الشاشة؟

شرق أوسط يعيد تشكيل نفسه

التحالفات تتبدّل، والحدود الفكرية تتساقط.
السعودية تعقد صفقة سلاح جديدة، وإيران توقع هدنة حذرة، واليمن يغرق أكثر في الفوضى.
الكلّ يبحث عن “دور”، بينما الشعوب تبحث فقط عن طعام وكرامة.
ومع عودة ترامب، تعود اللعبة القديمة بصيغة جديدة:
"السلام مقابل النفوذ"، "الأمن مقابل الخضوع".

لا تبكوا على ترامب... بل على أنفسكم

لسنا بحاجة إلى مزيد من الغضب، بل إلى وعيٍ حقيقي.
إلى لحظة صدقٍ نرى فيها عوراتنا دون تجميل.
العدو لا ينتصر لأنه قوي فحسب، بل لأننا صرنا نحب ضعفنا.
في زمنٍ يُعاد فيه تشكيل العالم، من لا يملك وعيه سيُعاد تشكيله هو أيضًا.


خاتمة:
ترامب ليس القضية... هو المرآة.
إن كرهناه، فلأننا نكره ما نراه فينا حين يفضحنا بلا مجاملة.
فلتغضبوا إن شئتم، لكن اجعلوا الغضب بداية فعل، لا نهاية بكاء.

محسن باشا – القاهرة
أكتوبر 2025

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.