حين يصبح الغياب موسيقى

 حين يصبح الغياب موسيقى

==============




إلى... ملك 🌸

يا ملك،
كلما حاولت أن أصفك بالكلمات،
أكتشف أن اللغة تضيق بك،
وأن الأبجدية كلها
تقف خجولة أمام حضورك.

ما أكتبه ليس حروفًا،
بل أنفاسي حين تمرّ في دروبك،
وتتشكل في صمتك لحنًا
لا يسمعه سواك.

الكلمات التي أقولها عنك
لا تنتمي إلى الورق،
إنها تخرج من منطقة أعمق من الذاكرة،
من مكانٍ يشبه الحنين
حين يشتعل... ولا يحرق.

هي كلمات تطير حولي كما الفراشات،
تحوم على أطراف القلب،
تنثر الضوء والدهشة،
وتعلّمني أن للحب موسيقى
لا تُعزف إلا حين تكون الروح خاشعة.

أتعلمين يا ملك؟
الكلمات حين تكون منك،
تصبح طيورًا بيضاء لا تعرف حدودًا،
تحملني بعيدًا عن صخب العالم،
أسمعها وأتنفس بعمقٍ لأول مرة.

حين تتحدثين،
لا أسمع صوتك فقط،
بل أرى شكل الحياة وهي تتفتح بين الحروف،
كزهرةٍ لا تخشى اللمس.

كلماتك ليست حروفًا مرتّبة،
بل موسيقى خفية
تعزفها روحك على أوتار الغياب.
فيها صدق المطر حين يهبط على الأرض الظمأى،
وفيها دفءُ ضوءٍ لا يأتي من الشمس،
بل من قلبٍ يعرف معنى الحنان.

حين تتكلمين،
يصير الصمت صديقًا للدهشة،
ويصبح العالم أكثر احتمالًا.

يا ملك،
بعض كلماتك تعيد ترتيب داخلي،
تجمع شتات عقلي وروحي وقلبي بعد التشرذم،
كأنها خيوط نورٍ تنسجني من جديد.

أنتِ لا تكتبين،
بل تُنطقين ما تعجز الأبجدية عنه.
كلماتك ليست كلامًا،
بل أنفاس متلاحقة
ترسم ملامح الأمان،
وتمنح للحياة ملمسًا مختلفًا.

في حضورك،
يصبح الوقت أكثر رقة،
والهواء أخف،
كأن الكون يتآمر
ليجعلنا نلتقي في لحظة من النقاء،
لحظةٍ لا ماضٍ فيها ولا مستقبل...
فقط "الآن" الممتد بيني وبينك.

ذلك الآن الذي يهمس فيه القلب:
"أنا معك"...
فيصمت كل شيء إلا الإحساس.

كلماتك يا ملك،
تزرع في داخلي سلامًا غريبًا،
يشبه الرجوع إلى بيتٍ نسيناه
ولم ينسَنا.

كل حرفٍ منكِ
يعيدني إلى نفسي،
إلى الجزء الذي ظننته انطفأ،
لكنه ظلّ ينتظرك بصبرٍ جميل.

كلماتك تنسج من الصمت موسيقى،
ومن الغياب حضورًا،
ومن العاديّ معجزةً.
كأنها تملك سحرًا خفيًا
يوقظ فيّ ما نام،
ويجمعني من بعثرتي.

يا ملك،
حين تكتبين،
لا تتحدثين إلى العالم،
بل إليّ وحدي.
لأنني أسمعك بقلبٍ لم يتقن الصمم بعد،
ولأنني حين أقرأك... أتنفسك.

كلماتك تجعلني أراك ببصيرتي،
لا بعيني.
هي مرايا الضوء التي تعكس صورتك داخلي،
فيغدو قلبي فضاءً واسعًا
يسكنه حضورك وحدك.

ملك...
لقد أصبحتِ أنتِ اللغة،
وصار الكلام كلّه طريقًا إليك.

وإن كنتِ لا تدرين،
فحين أكتب،
لا أكتب عنك،
ولا إليك،
ولا حولك...
بل أكتب بكِ.

أنتِ الأبجدية التي وُلدت منها كلماتي،
والنغمة التي تعطي لحياتي إيقاعها.

فابقي كما أنتِ...
الكلمة التي لا تشيخ،
والحضور الذي لا يُنسى،
والحب الذي كلما حاولت إخفاءه،
أفصح عن نفسه من بين السطور.

محسن عباس
الذي يكتب بكِ... لا عنك 🌹

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.