وجهان في الضوء المائل

 

وجهان في الضوء المائل

بقلم: محسن عباس

========



مقدمة:

"هذه ليست مجرد قصة؛ إنها محاولة لاستكشاف الانهيار الصامت في العلاقات الطويلة، والبحث عن الشرارة التي تعيد الحياة، حتى لو تطلب الأمر كسر كل الأدوار والحدود المعتادة. النص دعوة للتفكير في ماهية التوازن الروحي حين يرى كل منّا نفسه بعيون الآخر."


تمهيد

في العلاقات الطويلة، لا ينهار الحب فجأة، بل يتآكل ببطء، مثل لونٍ يغادر الجدار بصمت. كانت هي قد فقدت بريقها منذ زمنٍ بعيد، لا بسبب العمر، بل نتيجة خفوتٍ داخلي لا يدركه البصر. كانت تمارس الحياة كمن يسير في حلمٍ بلا صوت، وزوجها يراها كل يومٍ دون أن يعرفها حقاً. كان يدرك أن بينهما مسافةً من الصمت لا تُجتاز بالكلمات، إلى أن جاء ذلك المساء، حين قرر فجأة أن يفعل شيئاً غير متوقَّع، لا يقيده منطق أو كبرياء ذكورية.

المرآة الأولى: الشرارة
ارتدى قطعتين من ملابسها الداخلية — لا ليقلّدها، بل ليوقظها. لم يكن ما فعله انحرافاً أو شذوذاً كما قد يُظن، بل محاولة لاستعادة التوازن المفقود بينهما. كان يبحث عن شرارةٍ تعيد الحياة لما خمد، لا عن انعكاسٍ غريب.

حين رأته، لم تصرخ ولم تغضب. بل ضحكت — ضحكة قصيرة تشبه البكاء. امتزجت فيها دهشةٌ بإعجابٍ غامض، وغيرة قديمة غارقة. أحسّت أن ملامحها انعكست عليه، وأنه صار مرآتها التي كانت تهرب منها.

المرآة الثانية: اللعب الخطير
منذ تلك الليلة تغيّر كل شيء. صارت هي تشتري له الملابس الداخلية، بألوانها وأقمشتها، بما فيها الـ "بيبي دول" الأحمر والجِيب الميكرو القصير جداً، لتختار الجرأة التي لم تعرفها من قبل. بل تجاوز الأمر الملابس الخاصة؛ بدأت تشتري له أدوات تجميل وكماليات كانت هي نفسها لا تجرؤ على النظر إليها سابقاً.

لم تكن اللعبة بينهما جسديةً خالصة، بل نفسيةٌ عميقة: هو يعيد تعريف رجولته بالاقتراب من هشاشتها، وهي تستعيد أنوثتها بمرآةٍ مختلفة.

“وريني الإبداع بقى!” كانت تقولها بابتسامةٍ متّقدة، فيتأنَّق هو، ويتفنن في اللبس والحركات حتى يُبهرها. وفي كثيرٍ من الأحيان كانا يتبادلان الأدوار بالكامل؛ هو يأخذ مكانها، وهي تأخذ مكانه، ليُظهِر لها أن الأمر ليس مجرد جماع أو تقليد، بل تبادل متساوٍ في كل شيء: جسداً وروحاً وإحساساً.

وعندما كان هو في دورها، يفعل ما كان يجب أن تفعله هي — من أصوات وكلمات وحركات، بصوتٍ أنثوي متأرجح بين الخجل والإغراء — ليُظهر لها أن الأمر ليس مجرد تقليد، وقال لها:
“أنتِ بصيغة الرجل ممتعة جداً… ياريتنى كنت أنثى حقيقية.”

فقالت له: “مهما فعلت، لا يمكن أن أصل للرجولة التي تملكها… أنا مجرد أقلّدك فقط.”

فأجابها بسرعة، مستمتعاً: “لأنّي سمعت كلامك… سأعيش اللحظة دون قيود، حتى منك.”

قال: “الأمر سهل… أن تحبي نفسك كما هي، وعبّري عن ذاتك بعيداً عن كل القيود المترسِّبة من الماضي.”

فقالت له: “حرية، فقط حتى نعرف المتعة.”

قال لها: “نجحتِ… رجعت لكِ الإنسانة التي ضاعت في الحياة المملة.”

أخذت سيجارة من علبته، وأشعلتها كما كان يفعل هو، وجلست بكبرياء وقالت: “كنت فين من زمان؟”

وهو ارتدى الروب النسائي خجلاً منها، مستشعراً القوة التي اكتسبتها، واللعبة التي خاضاها معاً حتى التماثل والتمرد على كل قيود الماضي.

المرآة الثالثة: الشبق والتماثل
وعندما كانت هي في دوره، تماهت إلى درجة الشبق، وكانت تهتز فوقه حتى أحسّت أن الجدران تهتز من قوة اللحظة. وتنساب بينهما منحنيات ماء الحياة، يربط الروح بالجسد. استقبله هو بسعادة غامرة، لأنه أول مرة يستشعره كأنثى لا كذكر، لأنه تماهى هو أيضاً في كونه أنثى، وصدرت منه آهات تعبّر عن ذلك.

وقد حاولت هي إظهار بريقها الداخلي، لتستعيد جواهرها الدفينة، وتجعله يرتوي من إشراقها، كما يرتوي العطشان من نبع قديم. وعندما تكررت اللحظة، أخذت تتماهى أكثر، وتزداد شغفاً حتى وصلت إلى ذروة إحساسها، مفعمة بالقوة والحرية.

ثم ذهبت لشراء ملابس خاصة بها، بها جرأة غير معهودة عليها سابقاً، وضعت المكياج ودخلت عليه لتراه الأنثى الحقيقية، لا مجرد قناع أو وهم. وكأنها مباراة صامتة بينهما في إبراز الأنوثة والذات، فقال لها:
"غداً ارتدي الأسود، لأنه مثير عليكِ جداً، ولكن اجعلي كل شيء ضيقاً."

لأنها أحبّت التماثل في الدور وعرفت متعة نفسها كرجل، وهو بدأ يتفنن في ارتداء الملابس الداخلية الجريئة بدرجة تُدهشها، وملابس النوم الحريرية، والجِيب الميكرو، بطريقة تُبهرها.

المرآة الرابعة: الخوف والاعتراف
لكن كل تجربة تحمل ثمنها. بدأ الخوف يتسلّل إليها: هل تجاوزا حدود اللعب؟ هل ضاع التعريف القديم للأنوثة والرجولة، أم أنهما فقط تخلّصا من قوالبهما؟ كانت تشعر بأنها تحيا أخيراً، لكنها لا تعرف بأيّ وجه.

وفي لحظة صدقٍ نادرة، قالت له: “كفى… لقد وجدت نفسي، لكني لا أريد أن أفقدك في الطريق.”

ساد الصمت. لم يكن فشلاً، بل اكتمالاً. لقد عبر كلٌّ منهما مرآة الآخر وعاد إلى ذاته مختلفاً.

المرآة الخامسة: الاكتشاف النهائي
بعد أيام، وقفت أمام مرآتها، ورأت وجهين في الضوء المائل: وجهها الصافي خالياً من التصنّع، ووجهه يعكس نفسه كما لم تعرفه من قبل. هو أيضاً أدرك أن الحب ليس صراعاً على الأدوار، بل تواطؤ بين روحين تبحثان عن التوازن وسط الفوضى.

حين تبدّلت المرايا، لم ينكسر أحدهما، بل انعكسا معاً — في صورةٍ واحدة، أكثر صدقاً، وأقلّ خوفاً.

تأمل ختامي
الهوية ليست نقيضاً لما نجهله في أنفسنا، بل مرآته الخفية. كلّ إنسانٍ يحمل في داخله ظلّ الآخر: الرجل أنثاه المخبّأة، والمرأة رجلها الضائع. واللقاء الحقيقي بينهما لا يتمّ في الجسد، بل في لحظةٍ يرى كلٌّ منهما نفسه بعيون الآخر.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.