🌿 المبدع الحقيقي
أول صفاته أن يمتلك عقلًا نقديًا يقظًا؛
فالعقل الناقد لا يكتفي بالمعلومة، بل يُسائلها، يشكّك فيها، ويُعيد تشكيلها.
إنه لا يقبل اليقين السهل، لأن اليقين السهل عدوّ الإبداع.
يُجرّب، يُغامر، يخطئ، ثم يخلق من الخطأ اكتشافًا.
فالإبداع لا يسكن العقول المطمئنة، بل العقول القلقة التي تُفكّر رغم الضجيج.
والمبدع الحقّ صاحبُ هِمّةٍ عالية؛
لا يقبل أن يعيش في ظلّ أحد، ولا يرضى بأن يكون صدى لغيره.
ينهض رغم التعب، ويعمل رغم الشك،
ويؤمن أن الطريق إلى الإبداع محفوفٌ بالخذلان، لكنه لا يتوقّف،
لأن التوقّف موتٌ بطيء، والمبدع لا يعرف الموت إلا إذا توقّف عن السؤال.
أما التفكير العلمي فهو عمود الإبداع.
فلا مكان للخرافة في عقلٍ يريد أن يكتشف المجهول.
المبدع لا يُفسّر الغيب بالأوهام، بل بالبحث،
ولا يهرب من المجهول، بل يحتضنه كطفلٍ جديدٍ يولد من رحم الظلام.
العلم لا يناقض الفن، بل يمدّه بأجنحةٍ إضافيةٍ ليُحلّق بها أعلى من حدود الخيال.
ولأن الإبداع لا يُولد في السجن،
فلا بدّ للمبدع أن يتحرّر من كل قيدٍ يُثقل جناحه.
قيود المجتمع حين تُحاصر المختلف باسم "العيب"،
وقيود الدين حين تُساء قراءته فيتحوّل من نورٍ إلى سيف،
وقيود السياسة حين تُريد تحويل الإبداع إلى دعاية،
وقيود الاقتصاد حين تُساومه على صمته بثمنٍ بخس.
كلّها سلاسل، إن رضخ لها المبدع، صار مجرّد مؤدٍّ لا خالق.
المبدع الحقيقي لا يقدّم إجاباتٍ جاهزة،
بل يطرح الأسئلة التي تُوقظ فينا العقل والقلب معًا.
أسئلته لا تُجاب بالكلمات،
بل تُجاب بالقصيدة، باللوحة، بالموسيقى، بالمشهد،
بالفكرة التي تُغيّر نظرتنا إلى العالم.
إنه يزرع الشكّ في أرضٍ عطشى للحقيقة،
ويجعل من الحيرة طريقًا للفهم،
ومن الوجع وسيلةً للنور.
المبدع لا يكتب ليُرضي أحدًا،
ولا يخلق ليلقى تصفيقًا،
بل لأنه لا يستطيع أن يصمت.
فالإبداع بالنسبة له ليس اختيارًا، بل ضرورة وجودية.
هو صرخته في وجه العبث،
هو دليله الوحيد على أنه ما زال حيًّا،
وأن الروح أقوى من الخوف، وأعمق من القيود.
هكذا يُولد الإبداع الحقيقي:
من عقلٍ ناقد، وروحٍ حرّة، وهمّةٍ لا تعرف الانكسار،
ومن أسئلةٍ لا تنتهي…
لأن كل إجابةٍ حقيقيةٍ هي في ذاتها بدايةُ سؤالٍ جديد. 🌸