🩶 الحب كحالة وعي: بحث في ماهية الإنسان
بقلم: محسن عباس
فهو ليس شعورًا عابرًا، ولا انفعالًا وقتيًّا،
بل حالة وعي تتجلّى فيها الذات وهي تتأمل معناها في وجود آخر.
حين نقول إن «الحب هو أنت»،
فنحن لا نبحث عن رومانسية لفظية، بل نفتح بابًا عميقًا للتساؤل: من أنت؟
هل عرفت ذاتك فعلًا، أم أنك تعيش أسيرًا لصورتك الاجتماعية؟
هل مارست نقدًا عقليًا لنفسك،
سمعت أصواتك الداخلية المتعددة،
وصالحت ضعفك وتناقضاتك بدلًا من إنكارها؟
إن أولى خطوات الحب ليست في لقاء الآخر،
بل في لقاء النفس.
فمن لم يصالح ذاته، سيحمل جراحه إلى من يحب،
ويجعل الحب ساحة علاج بدلًا من أن يكون فضاء ارتقاء.
الحب ليس هروبًا من الوحدة،
بل قدرة على تحويلها إلى وعي ناضج.
لأنك حين تعرف نفسك،
تصبح قادرًا على أن تمنح دون أن تفقد،
وأن تذوب دون أن تُمحى.
لكن الحب، في جوهره، شعور إنساني خالص،
وهنا تبرز معضلة أخرى: من هو الإنسان؟
الإجابة البسيطة — أن كل البشر إنسان — تبدو مريحة لكنها زائفة.
فالإنسان الحقيقي ليس من يتنفس ويعمل فقط،
بل من يمتلك القدرة على الإحساس بالآخر،
على احترام الاختلاف،
والبحث عن الحقيقة حتى لو خسر نفسه من أجلها.
الإنسان الحقيقي لا يُعرّف نفسه بما يملك، بل بما يُضيف للعالم.
يرى في الجمال طريقًا إلى الله، لا زينةً للفراغ.
يعلم أن الرحمة أعمق من القوة،
وأن الصدق أثقل من السلطة.
وأن الحب ليس ضعفًا كما يتوهم البعض،
بل وعي بالقوة دون الحاجة لاستعراضها.
الحب بهذا المعنى ليس شعورًا تجاه شخص بعينه،
بل هو تجربة وجودية
تضعك في مواجهة العالم ككائن قادر على الفهم والرحمة والنور.
هو وعيٌ بأنك لست مركز الكون،
لكنك تستطيع أن تُضيء جزءًا منه بالصدق،
وبذلك وحده تكتمل إنسانيتك.
في النهاية،
من لم يعرف نفسه لن يعرف الحب،
ومن لم يمارس الحب لن يفهم الإنسان،
ومن لم يتذوّق الإنسان في ذاته،
لن يذوق الله في أي شيء.


0 التعليقات