الانزلاق الهادئ
تأليف: محسن عباس
========
حسنة وحسن وُلِدا توأمين في مكان بعيد. كانت حياتهما بسيطة، لا يملكان سوى الكرامة والابتسامة، والبراءة التي كانت ثوبًا يكسوه التراب.
بعد نجاحهما، التحقت حسنة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وحسن بكلية الهندسة. الانتقال للمدينة كان تغييراً جذرياً عن هدوء الريف.
لجآ في البداية إلى أقاربهم، نورة وحاتم. كانت الشقة صغيرة، لكن ضوضاؤها الغريبة لم تكن في المكان، بل في نظرات الأقارب ومواقفهم التي حملت ميولاً شاذة. كان نفورهما تحذيراً مرعباً من الحرية المُطلقة.
مع شعورهما بالنفور، بدأ الاثنان يقضيان وقتاً أطول في الجامعة والمكتبة، يتجنبان الجلوس الطويل عند الأقارب. اكتشفا أن المدينة قوة تؤثر على كل شعور داخلي لديهما.
برزت براعة حسنة، واختارها الدكتور المشرف للعمل معه على مشروع كبير. حسن أيضاً اختاره أستاذه للعمل في المكتب الاستشاري بمكافأة جيدة. بدأ كلاهما يجني ثمار جهده، وبدأت مرحلة الاستقلال.
بعد أن أصبحا مرتبطين بالعمل—حسنة مع الدكتور، وحسن مع الاستشاري—، اكتشفا أن الشقة الصغيرة التي استأجراها أصبحت عالماً حصرياً لهما، بعيداً عن الأنظار. هذا القرب الشديد وغياب الرقابة، جعل كل همسة تنمو كخطوة نحو محظور جديد.
جاءت الليلة غير المتوقعة: عاد حسن، وكانت حسنة قاعدة براحتها في الشقة، مرتدية بيبي دول مكشوفة الأكتاف وبدون ملابس داخلية، في حالة استرخاء اعتادت عليها في أمان الشقة الخاصة. شعرت بالحاجة للتستر بسرعة وارتدت العباية والخمار. اقترب منها حسن بصمت، وعيناه تحملان خليطاً غريباً من الجوع واليأس.
– "حسنة، إنتِ مكسوفة من إيه؟"
– "اعملي لي مساج لرقبتي يا حسن." بدأت المساج، وكل لمسة حملت شعورًا متصاعدًا من الخوف ورغبة لم يعرفا لها اسماً. في لحظة، لم يعُد يرى فيها أخته، ولم تعد ترى فيه شقيقها. قال لها بهدوء قاتل:
– "احنا ستّر… مافيش حد يعرف. لا يهمك." مرت الأيام، وتحوَّل الشعور بالذنب إلى تواطؤ. المدينة كانت تحركهما بعيدًا عن قيود الريف، وبدلاً من الحذر، ظهرت رغبة متزايدة في التجربة. الشقة الصغيرة صارت عالمهما المنفصل لتجربة كل شعور جديد، بما فيه القرب البدني الذي يخالف الطبيعة.
نجاحهما في العمل أصبح دليلاً على قدرتهما على تحدي الحدود.
حسنة بدأت علاقة محسوبة مع الدكتور لضمان فرصة أن تصبح معيدة، على أمل أن يعيدها هذا الارتباط "الطبيعي" إلى توازن سُلب منها. حسن دخل علاقة مع ابنة الاستشاري لضمان استمراره في المكتب، كخيط نجاة خارجي، يبعده عن مرآة نفسه التي يراها كل ليلة في عيني أخته.
لكن هذه العلاقات النفعية لم تجلب سوى مرارة: غيرة مُبطَّنة وقاسية بينهما. حسن لم يطق سماع اهتمام الدكتور بـ حسنة؛ غيرة الشريك السري. وحسنة راقبت تقرب حسن من ابنة الاستشاري بضيق خفي. كانت علاقاتهما الخارجية قناعاً يخفي حاجتهما المتبادلة، مما زاد من ثقل السر المُحرَّم.
حدث غير متوقع قلب كل شيء. انهارت أخلاق الريف في مواجهة سيطرة المدينة، التي جردتهما من براءتهما.
أصبحا أولاد قاع المدينة، يسيران في شوارعها، يتعاملان بمنطقها بلا قيود. صارت المدينة تتحكم في تفاصيل حياتهما اليومية: المقاهي، السهر، الاختلاط بالغرباء. كل لحظة حرية كانت بوابة للانزلاق.
وفي لحظة صمت، جلس حسن وحسنة في الشقة، يتذكران الريف. نظرا إلى بعضهما، لم يريا شقيقين، بل شريكين في ذنب لا يُغتفر. البراءة اختفت، والأحلام القديمة ذابت.
وفي الريف، ظل الأب يرفع رأسه إلى السماء، يحاول أن يستعيد براءة ولديه الضائعة. لكن حسن وحسنة كانا ينظران إلى أضواء المدينة، مدركين أن السر الذي يربطهما أقسى من أن يحمله الصمت، وأن العودة إلى براءة الأب مستحيلة إلى الأبد. فقط وميض الانزلاق الهادئ ظل ثقل السر المُحرّم يربطهما محفورًا في النفس.