"ميكانو": فيلم يلامس الروح ويُعيد تعريف مرض الزهايمر في السينما المصرية
هذه الدفقة الشعورية الغير عادية التي بثها فيلم "ميكانو" بطريقة رائعة! آه، لو كنت أستطيع أن أصفق بشدة لكل العاملين بهذا الفيلم ليسمعوا تصفيقي، لأقول لهم: برافو من القلب!
في تقديمي للقصة، أرى أنها ربما تكون جديدة على السينما المصرية تماماً في تناولها الدقيق والمؤثر لمرض الزهايمر تحديداً، وهو ما يستحق كل الشكر للمؤلف الرائع وائل حمدي الذي قدم نفسه بأسلوب بسيط وعميق في آن واحد (السهل الممتنع). السيناريو والحوار اتسما بمنتهى الرقة (دون إسفاف)، وتجنبا التطويل أو السخرية من هذا المرض الحساس. لقد كان التركيز على الجانب الإنساني للمريض وتأثير المرض على علاقته بمحيطه هو الجديد والمؤثر.
أما على صعيد التمثيل، فقد كانت مباراة فنية حقيقية بين تيم الحسن وخالد الصاوي، والفائز الأكبر هو الجمهور بلا شك! فخالد الصاوي أظهر مرة أخرى قدرته على تقمص شخصيات متنوعة، حتى ليخشى المرء أن يذوب فيه خالد ذاته من كثرة هذا التعايش المذهل. وإن كان لا بد من الإشارة، فقد لاحظت تشابهاً في إشارات يده مع شخصيته في "عمارة يعقوبيان"، وربما يعكس هذا التكرار سمة متأصلة في طريقة أدائه للشخصيات المضطربة. وعلى الجانب الآخر، كانت المفاجأة المدوية هي تيم الحسن في أول ظهور له على الشاشة الفضية، حيث وُلد نجماً عملاقاً! لقد كان أداؤه سلساً وعميق الإحساس بالشخصية ومعاناتها الداخلية، وكأنه رسام ماهر يرسم لنا بورتريه دقيقاً لهذا المرض دون شفقة زائفة أو استهزاء. أتذكر تحديدًا مشهد جلوسه وحيدًا في غرفته محاولًا تذكر اسم حبيبته، حيث عبرت عيناه عن الضياع والألم بشكل مؤثر للغاية.
وعند الحديث عن الموسيقى التصويرية، فقد كانت حاضرة بقوة رغم غيابها المرئي، وكأنها صدى لأعمق مشاعر المشاهد. الإحساس بكل مشهد وبالعمل ككل ارتقى بفضل حساسية الموسيقار تامر كروان، الذي أثبت أنه فنان مرهف الحس لا مجرد تقني محترف. لقد كانت الألحان الهادئة والحزينة، وخاصة عزف البيانو المنفرد في لحظات الضعف الإنساني، تزيد من عمق التأثير العاطفي.
أما عن الإخراج، فهذا هو العمل الأول لمحمود كامل، والأهم فيه أنه لم يستعرض قدراته على حساب القصة. لقد وقف كقائد أوركسترا ماهر يضبط الإيقاع، وشعرنا وكأنه يشاهد الفيلم معنا بنفس الشغف دون أن يفقد رؤيته كمخرج. أجمل ما في إخراجه هو هذا التواري خلف الكادرات وخدمة إبداع فريق العمل، وكانت اختيارات أماكن التصوير موفقة للغاية، حيث ساهمت المشاهد الداخلية الضيقة والقاتمة في نقل إحساس الوحدة والعزلة الذي قد يصاحب مرض الزهايمر، بينما منحت المشاهد الخارجية القليلة فسحة من الأمل.
تبقى همسة في أذن الممثلة المحبوبة نور: الدور لم يضف جديداً لمسيرتك، بل بدا وكأنه استنزف جزءاً من طاقتك، حيث بدا الكثير من الانفعالات الصادرة منك مفتعلاً بعض الشيء، خاصة في المشاهد التي تتطلب ردود فعل سريعة ومفاجئة في الحوارات الجماعية، حيث بدا تركيزك على التعبير الخارجي أكثر من الإحساس الداخلي.
شكراً جزيلاً لكل هؤلاء الفنانين على هذا الفيلم المؤثر الذي ترك لدي إحساسًا عميقًا بأهمية الذاكرة وقيمة اللحظة الحاضرة.
معلومات عن الفيلم:
- تأليف: وائل حمدي
- بطولة: تيم حسن، نور، خالد الصاوي، سميرة عبد العزيز، رشا مهدي، خالد محمود، لطفي لبيب
- تصوير سينمائي: هشام سري
- موسيقى: تامر كروان
- إخراج: محمود كامل