الساحر.. وهم المفاجآت والاستغفال المريح:
دائمًا ما ينتظر الكبار والصغار بشغف فقرة الساحر، لما تكتنفه من مفاجآت بصرية وسمعية تخطف الأبصار، مع تلك الإضاءة المتقطعة والمؤثرات الصوتية التي تثير في النفس عالمًا من الخيال والدهشة.
ودائمًا ما يستأثر الساحر بتركيز المتفرج من خلال حركة مفاجئة أو بمساعدة امرأة جميلة تضفي سحرًا إضافيًا على المشهد، ليصرف بذلك الانتباه عن الآلية الحقيقية للخدعة التي يقوم بها، حتى يستثير في نهاية عرضه آهات الإعجاب والتصفيق الحار بمهارته الظاهرية.
شغل عقلك قليلًا أيها المشاهد، وتجاوز سحر الساحر وحيله البصرية، والمؤثرات الصوتية والأضواء الملونة التي تهدف إلى تضليلك. ستجد بعد التفكير مليًا أنه لا يوجد سحر حقيقي بالمعنى الخارق للطبيعة ولا ساحر يمتلك قوى خارقة، بل ما تراه ما هو إلا ضرب من الاستغفال الموجّه للمتفرج الذي قد يرغب في أعماقه في أن يتم استغفاله.
إن فكرة الاستغفال قد تحمل في طياتها راحة نفسية مؤقتة للعقل والروح، فهي تمنح شعورًا زائفًا بالبهجة والأمل بأن الدنيا ربيع دائم لا يعرف الجفاف، خاصة عندما يميل الشخص بطبعه إلى رؤية ما يحب أن يراه، ويسلم زمام عقله وروحه وفكره طواعية للآخرين دون تمحيص أو تدقيق. قد يكون ذلك هروبًا من واقع مرير أو رغبة دفينة في تصديق قصص خارقة تروي ظمأ الخيال.
السؤال: هل للسحر حقيقة في جوهره وتأثيره؟
الإجابة: للسحر حقيقة لا مرية فيها، وهو مؤثر حقيقي على النفس والجسد، كما ورد في النصوص الشرعية. لكن الاعتقاد بأنه يقلب ماهية الأشياء أو يحرك الجماد أو يسكن المتحرك بذاته، فهذا محض خيال لا يمت للواقع بصلة. تدبر قول الله تعالى في سياق قصة سحرة آل فرعون: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، فقد أوضح الحق تبارك وتعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}.
فكيف استطاع هؤلاء السحرة أن يسحروا أعين الناس؟ لقد فعلوا ذلك حين صار الناظرون إليهم يرون حبالهم وعصيهم تتحول بأعينهم إلى ما يشبه الثعابين التي تسعى على الأرض، كما قال جل وعلا: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}. فالسحر الحقيقي ليس في تغيير طبيعة الأشياء ذاتها، ولا في تحريك الساكن أو تسكين المتحرك بقدرة خارقة، بل إن تأثيره الحقيقي يكمن في سحر أو التأثير على إدراك المسحور وحواسه، حتى يرى الثابت متحركًا والمتحرك ثابتًا على غير حقيقته. فتأثيره الظاهر على الحواس قوي وواضح، إذن فله حقيقة ويؤثر على بدن المسحور وحواسه، وقد يصل تأثيره إلى إهلاكه في بعض الحالات.
إن سحر الساحر على خشبة المسرح ما هو إلا ضرب من الخداع البصري والبراعة اليدوية، غايته الترفيه وإثارة الدهشة لدى الجمهور، ولا يمت بأي صلة للسحر الحقيقي الذي ورد ذكره في النصوص الدينية والذي يحمل تأثيرًا حقيقيًا على الإنسان.
لا يظهر الساحر الزائف إلا بوجود جمهور يذهب إليه طواعية ويصدقه قبل أن يبدأ في ممارسة حيله وخداعه، ولا يروج السحر الباطل إلا بوجود جمهور لديه استعداد ورغبة داخلية في أن يتم استغفاله عن طيب خاطر، ربما بحثًا عن حلول سريعة أو تصديقًا لأوهام تريح النفس. وكم من مشعوذ وساحر حقيقي يستغل ضعف الإنسان وحاجته الماسة إلى حلول عاجلة لمشاكله وهمومه، فيجعله فريسة سهلة للاستغلال المادي والنفسي.
ملحوظة هامة جدًا تستوجب الانتباه:
لا يجوز للمسلم المؤمن أن يقدم على الذهاب إلى السحرة أو الكهان والمشعوذين والعرافين الذين يدعون علم الغيب، ولو كان الدافع مجرد السؤال والاستطلاع، لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". رواه مسلم.
هذا الوعيد الشديد هو لمجرد السؤال عن الغيب. أما من سأل هؤلاء الضالين وصدقهم فيما يزعمون من علم الغيب، فإنه يقع في خطر عظيم وقد يصل إلى الكفر بالله العظيم، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وعلى وسلم". رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم محذرًا من هذا الفعل الشنيع: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته في دبرها، فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وعلى وسلم". رواه الإمام أحمد وغيره.
والكاهن هو ذلك الشخص الدجال الذي تستخدمه الشياطين وتخدمه في ضلاله، فيخبرونه ببعض الأمور المغيبة التي يسترقونها من السمع في السماء، فيضيف هذا الكاهن الكاذب إلى تلك الكلمة الواحدة التي استرقتها الشياطين مائة كذبة وافتراء حتى يضلل الناس ويوقعهم في الشرك والوهم. وقد تساهم بعض وسائل الإعلام والأعمال الفنية في ترسيخ صور نمطية خاطئة عن السحر أو ترويج لأفكار غير واقعية عنه.
دعوة للتوعية:
إننا بحاجة ماسة إلى نشر الوعي بين الناس بخطورة تصديق الخرافات والأوهام واللجوء إلى المشعوذين والدجالين، وأهمية التوجه إلى العلم الصحيح والمنطق السليم والدين القويم لحل المشكلات وتجاوز الصعاب. يجب علينا تطوير مهارات التفكير النقدي والمنطقي لدى الأفراد لتحصينهم ضد الوقوع في براثن الخرافات والاستغلال.