"في هذه اللحظة التي أجد فيها نفسي أمام هذه المساحة البيضاء، لا أملك من الكلمات ما يسعفني للتعبير الكامل عن كل ما يجيش في داخلي. كل ما أعرفه يقيناً هو أن رغبة ملحة تدفعني للكتابة إليكِ أنتِ تحديداً، وكأن روحي لا تجد ملاذاً آمناً إلا في مخاطبة طيفكِ وذكراكِ العطرة.
إني أشتاق إليكِ، وهذا الاشتياق ليس مجرد شعور عابر، بل هو حالة من الحنين العميق الذي يسكن أعماق قلبي ويلازمني في كل تفاصيل يومي. وحشاني جدًا لدرجة أن كل لحظة تمر عليّ تبدو وكأنها دهر طويل، وأن عقارب الساعة قد توقفت عن الدوران في غياب رؤيتكِ. قلبي يتوق بشدة لرؤية عينيكِ، هاتين الجوهرتين اللتين تضيئان عالمي بنورهما الساحر، وتأسرانني ببريقهما الأخاذ. أتوق للغوص في أعماق نظراتكِ، لأرتشف من بحر حنانهما وجمالهما الذي لا ينضب.
كما أنني أشتاق لإحساسكِ الفريد، ذلك الدفء الذي يغمرني كلما تذكرت كلماتكِ أو سمعت صوتكِ. هذا الإحساس العميق الذي لمسته منذ يومين، والذي ترك في قلبي أثرًا لا يُمحى، وأشعل فيه شرارة الشوق واللهفة للقائكِ من جديد. إني أتخيل ملامح الراحة والسكون التي أتمنى أن أراها بادية عليكِ، وأن تنعكس على وجهكِ النضر. صحيح أنني أستشعر هذه الراحة من خلال نبرة صوتكِ الدافئة وكلماتكِ الرقيقة التي تصل إلى أعماق وجداني، ولكن يبقى الشوق لرؤيتها ماثلة أمامي، لأطمئن قلبي بأن كل ما أتمناه لكِ قد تحقق. ولكن، لا يسعني إلا أن أقول قدر الله وما شاء فعل، وأتوكل على حكمته في كل الأمور.
ثم أقف أمام كلماتكِ التي سطرتها في لحظات خلوتكِ، تلك الكلمات التي وصفتِ فيها أسمى معاني الحب وأجلّها. أقولها بصدق، إنها ليست مجرد حروف مرصوفة أو عبارات منمقة، بل هي أشبه بروح تتجلى في صورة كلمات، وكأنكِ تصهرين ذاتكِ وروحكِ لتشكلي من هذا الانصهار المقدس حروفاً تنطق بأصدق المشاعر وأرق الأحاسيس. وعندما أقرأ هذه الكلمات، لا أرى مجرد تعابير لغوية، بل أرى صورتكِ أنتِ، بكل ما فيكِ من صدق ونقاء وعمق.
إن وصفكِ هذا لحبكِ هو أمر بالغ الصعوبة والجمال في آن واحد. إنه وصف يسمو فوق كل الكلمات المعتادة، ويجعل أي عمل أو جهد بذلته مهما عظم شأنه يبدو ضئيلاً وبسيطاً أمام هذا الفيض من المشاعر الصادقة. هذا الوصف الفريد يستحق أن يُقابَل بتقدير يفوق الوصف ذاته، وبجهد استثنائي يليق بعظمته. أولاً، هو يحتاج إلى تقدير عميق يدرك قيمته الحقيقية. ثانياً، يتطلب تغذية مستمرة لهذا الحب النادر من أجل أن يظل متوهجاً وقوياً على مر الأيام. ثالثاً، والأهم من كل ذلك، أنتِ تستحقين كل جهد يُبذل من أجلكِ، بل وأكثر من ذلك بكثير. ورابعاً، أتمنى من كل قلبي أن تكوني في غنى عن أي حاجة من أي شخص، وأن تكوني دائماً في عز وكرامة واكتفاء.
بجد، ومرة أخرى أكررها من أعماق قلبي، إن الرد الوحيد الذي يمكن أن أقدمه على كلماتكِ الساحرة هو: الحمد لله على معرفتكِ التي هي كنز لا يُفنى، ونعمة عظيمة تستحق الشكر والثناء إلى أبد الآبدين. والحمد لله على حبكِ الطاهر الذي يغمر حياتي، والذي هو أعمق وأسمى من أن تحيط به الكلمات أو تحصره العبارات. إنه حب عظيم لا يمكن وصفه، بل يُعاش ويُستشعر في كل نبضة من نبضات قلبي.
أسأل الله العلي القدير أن يحفظكِ لي، وأن يديم وجودكِ في حياتي نوراً يضيء دربي وبلسماً يشفي جروحي، وألا يحرمني أبداً من هذا الشعور الصادق وهذا الحب النقي الذي يربط أرواحنا. أتمنى بصدق من كل قلبي أن يجمعنا القدر في أقرب وقت، وأن تنتهي لحظات الشوق والبعد بلقاء يروي ظمأ قلبي لرؤيتكِ ولقربكِ.
قادر يا كريم، يا مجيب الدعوات، يا من بيده ملكوت كل شيء."