سواء عن قصد أم لا، فإنهم يغرقوننا في الواقعية بكل قوة. إنهم لا يتركون مساحة للتفكير. الأحداث كثيرة وجسيمة جدًا.
في خضم هذه الأحداث المتسارعة والواقعية الضاغطة، يصبح الخيال المبدع الخلاق ضرورة ملحة، لا مجرد ترفيه أو هروب. إنه الوقود الذي يدفعنا نحو الأمام، ويمنحنا القدرة على رؤية ما وراء الواقع الراهن، وتصور حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهنا. هذا النوع من الخيال هو الذي يجعلنا أصحاب خطوة للأمام مهما كانت بسيطة. بل إنه يمكن أن يكون قوة الضعف أمام ضعف القوة، حيث يتيح لنا المرونة والابتكار في مواجهة التصلب والقوة الغاشمة. والأهم من ذلك، يمكن للخيال أن يكون أداة قوية في التعافي من الصدمات الفردية والجماعية، من خلال إعادة صياغة التجارب المؤلمة وتصور مستقبل أفضل. وفي مواجهة الظلم والقمع، يمكن للخيال أن يلعب دورًا محوريًا في ابتكار أشكال جديدة من المقاومة السلمية.
الخيال هو الحل. إنه يفتح لنا آفاقًا جديدة للتفكير في واقعنا وفي إمكانيات تغييره، بل ويساهم في تجاوز الاستقطاب الحاد الذي نشهده، من خلال تصور حلول وسط ومستقبل مشترك يتجاوز الخلافات. كما أنه أداة قوية للتمكين الذاتي، حيث يمكننا من تخيل الذات في وضعيات قوة والتغلب على الشعور بالعجز. والخيال لا يتعارض مع التفكير النقدي، بل يمكن أن يكمله ويعززه من خلال تصور سيناريوهات مختلفة وطرح أسئلة "ماذا لو؟". وفي مواجهة التحديات المعقدة، يصبح الحوار الخلاق ضروريًا، وهو حوار يغذيه الخيال ويشجع على التفكير خارج الصندوق.
نحن لا نستحق الذل تحت أي دعاوى، تحت أي فلسفة، تحت أي دراسة، تحت أي كلام مهما كان. نحن نستحق الحياة الكريمة المملوءة بالحرية. نحن نستحق أن نكون إنسانًا وكفى. نحن نستحق الحرية. هذا الحق الأصيل في الكرامة والحرية لا يمكن التنازل عنه. وفي هذا السياق، يبرز دور الفنانين والكتاب والمبدعين الذين تقع عليهم مسؤولية صياغة رؤى بديلة للواقع، وتقديم قصص تلهم الأمل وتشجع على التفكير النقدي، بعيدًا عن تكريس اليأس والانقسام. والعديد من الحركات الاجتماعية بدأت برؤية تخيلية لمجتمع أكثر عدلاً ومساواة، مما يوضح دور الخيال كدافع للتغيير الاجتماعي. كما أن للخيال الجماعي دورًا هامًا في بناء الهوية الجماعية وتعزيز الشعور بالانتماء.
لابد من التمسك بكل تلك العناصر. إن لم يكن لأنفسنا فمن أجل من استشهدوا من أجلنا، من اعتقلوا بدلًا منا، من ضحوا بكل غالٍ ونفيس لنا. احترموا من ضحى بالنفس والمال والحياة الرغدة لنا. كونوا إنسانًا حتى تنالوا الحياة. إن الوفاء لتضحيات هؤلاء الأبطال يقتضي منا السعي الجاد لتحقيق ما ناضلوا من أجله، وأن نكون واعين بأن الخيال ليس مجرد رفاهية، بل هو حاجة إنسانية أساسية لتطوير الذات وفهم العالم. وغالبًا ما تعتمد الفكاهة والسخرية على تنشيط الخيال وتقديم رؤى غير تقليدية للواقع. كما أن الخيال أداة أساسية للتخطيط للمستقبل وتصور السيناريوهات المحتملة.
من يريد أن يكتب فليحذر فيما يكتب، حتى لا تكون حروفك سكاكين تقطع ما لم يستطع الآخرون قطعه، حتى لا تكون حروفك سامة تميت أجزاء عند الآخرين، حتى لا تكون حروفك سبب فرقة يتمناها الآخرون ونحن نتمسك بالترابط، حتى لا تكون حروفك هي ما يأخذه خصومنا علينا فيما بعد. هنا تتجلى مسؤولية الكلمة وأهمية وعينا بقوتها. يجب أن نسعى لأن تكون حروفنا أدوات بناء ووحدة وأمل، لا معاول هدم وفرقة ويأس. ورغم وجود تحديات لتفعيل الخيال في ظل الظروف الضاغطة، إلا أن تجاوز هذه القيود ضروري لخلق بيئة تشجع على التفكير الخلاق. يجب أن ندرك أن الخيال مهارة قابلة للتطوير من خلال الممارسة والأنشطة الإبداعية. كما أن البيئة المحيطة بنا تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز أو تثبيط قدرتنا على التخيل.
اتقوا الله فينا جميعًا. وهذا يستدعي تعزيز ثقافة تحتفي بالخيال وتشجعه في مختلف جوانب حياتنا، بدءًا من التعليم وصولًا إلى التفاعل الاجتماعي، لكي ننمي مجتمعًا أكثر مرونة وقدرة على مواجهة المستقبل. ومع التطور التكنولوجي، يمكن للواقع الافتراضي والمعزز أن يوسع آفاق خيالنا. كما أن للخيال دورًا في إعادة استكشاف الماضي وفهمه، وهو أساسي أيضًا في العلوم والابتكار.