فيلم "القارئ":
مساءلة الذات والمجتمع عبر عدسة الذاكرة
يُعد فيلم "القارئ" (The Reader)، الذي أخرجه ستيفن دالدري والمأخوذ عن رواية بيرنارد شلينكمن، عملًا سينمائيًا يتجاوز حدود السرد القصصي ليغدو مساءلة عميقة للذات والمجتمع. فبدلًا من الاكتفاء بوصف الأحداث، يتسلل بنا المؤلف ببراعة إلى مناطق رمادية في الروح الإنسانية، مُثيرًا تساؤلات حول المسؤولية الفردية والجماعية في ظل فترات تاريخية مظلمة.
كيف يمكن لشخصية تبدأ الفيلم بتقديم يد العون والإنسانية المطلقة لطفل مريض ("مشهد المساعدة الأولى لمايكل")، أن تتحول لاحقًا إلى رمز لجزء مؤلم من الماضي؟ هذا التناقض الصارخ ليس مجرد حبكة درامية، بل هو دعوة للتفكير في تعقيدات النفس البشرية وقدرتها على احتواء الخير والشر في آن واحد.
إن مشهد خجل هانا من الاعتراف بأميتها ("رحلة الدراجة وقائمة الطعام") لا يقتصر على كشف جانبها الإنساني الهش، بل يطرح سؤالًا أعمق: كيف يمكن للجهل أن يكون عائقًا أمام الفهم والمشاركة الفعالة في المجتمع، وأن يساهم بشكل غير مباشر في perpetuation الظلم؟ وهل يتحمل المجتمع جزءًا من مسؤولية هذا الجهل؟
عندما يوضح دكتور القانون أن المجتمعات تعمل بالقانون الضيق لا بالأخلاق الواسعة ("محاضرة دكتور القانون")، يُفتح الباب أمام مساءلة أعمق. ألا يكشف هذا عن قصور في الأنظمة التي نعتبرها عادلة؟ وهل يمكن للقانون بمفرده أن يحاسب على التواطؤ الصامت أو الرضا الضمني بالظلم، كما يثير نقاش الطلاب حول محاسبة عدد قليل من النساء ("محاورات الطلاب في الجامعة")؟
إن دفاع هانا البائس عن دورها كحارسة ("لماذا تركتهم يحترقون؟")، والذي يركز على المسؤولية الإجرائية دون الالتفات إلى البعد الإنساني، يُجبرنا على مواجهة سؤال صعب: إلى أي مدى يمكن للمرء أن يتذرع بتنفيذ الأوامر للتنصل من المسؤولية الأخلاقية؟ وأين يقع الخط الفاصل بين الواجب والطاعة العمياء؟
محاولة مايكل تعليم هانا القراءة ("إرسال الكتب والأشرطة") ليست مجرد فعل فردي للتصالح مع الماضي، بل هي أيضًا استكشاف لقوة المعرفة في التحرر من الجهل الذي قد يكون سببًا أو عذرًا لبعض الأفعال. ألا يمثل هذا الفعل بصيص أمل في إمكانية تجاوز أهوال الماضي من خلال التعليم والفهم؟
أما رفض الفتاة التي كتبت عن المعسكرات للمال ("الحوار الأخير ورفض المبلغ")، فيثير تساؤلات حول تعقيدات الذاكرة الجماعية وكيف يمكن للخوف من الإدانة أن يؤثر على التعامل مع الماضي. لماذا هذا التردد في قبول تعويض من شخص ارتبط بتلك الحقبة المظلمة، حتى لو كان دافعه نبيلًا؟
في نهاية المطاف، لا يقدم "القارئ" إجابات سهلة، بل يلقي بنا في بحر من التساؤلات حول طبيعة الإنسان، ومسؤولية المجتمع، وتأثير الماضي على الحاضر. إنه يدين الصمت والجهل واللامبالاة، ويحثنا على التفكير مليًا في دورنا في مواجهة الظلم، سواء كان تاريخيًا أو معاصرًا. ألا يجعلنا هذا الفيلم نتساءل عن "الظواهر التي نشعر بها ولا نفعل أي شيء حيالها" في مجتمعاتنا اليوم؟
الفيلم للكبار فقط.