خواطر من زمن الغربة

خواطر من زمن الغربة

=========

ومضات في عمق الوجود

المعرفة الآن مهلكة، والثقافة غباء، والبحث انتحار. في عالم فقد بوصلته، يبدو أن السعي للحقائق يجلب الألم أكثر من النور، وأن ما يقدم كـ"تنوير" لا يزيدنا إلا تيهًا.


الصحافة في كل العالم مهمتها التنوير؛ سواء بنقل الخبر الصادق أو تقديم التحليل العميق. إلا عندنا في وطني الأكبر، يبدو أن لها مهمة واحدة ومقدسة: التجهيل المتعمد. فمتى يفيق الوعي وينتظر التنوير الحقيقي؟


هناك فرق شاسع بين الحيرة والتيه. الحيرة هي وقوف العقل أمام ظواهر معقدة، محاولًا تفسيرها بجد، وهي بوابة للتفكير والبحث عن إجابات. أما التيه، فهو الولوج إلى متاهة لا يمكن الخروج منها، فقدان للوجهة والإدراك، حالة من الضياع التام.


آه من الطبيب الموجوع! إنه يحاول تخفيف آلام الناس من حوله بكل ما أوتي من قوة، لكن وجعه الخاص، الذي قد يكون أعمق وأكثر مرارة، يبقى له وحده، لا يراه أحد.


بالحب وحده تتأكد أنك إنسان حقيقي، متجاوزًا مجرد الوجود المادي. وبدونه، أنت مجرد كائن حي يؤدي وظائفه البيولوجية، خلوٌ من أسمى المشاعر والمعاني.


من لا يعرف قيمة ما في يديه من نعمة، لا يحق له أن يبكي أو يتحسر عند ضياعها. فالتقدير قبل الفقدان هو أساس الحفاظ على كل جميل.


مجادلة العشاق عبث لا طائل منه. فالحب لغة تتجاوز المنطق، ولا تخضع لقوانين الجدل العقلاني.


لابد من رد الاعتبار إلى شارع عماد الدين، وروض الفرج، وكلوت بك. هذه الشوارع، بتاريخها ورموزها، كانت أكثر صراحة مع المجتمع في التعبير عن واقعهم ومكنوناتهم، حتى وإن كانت تلك الصراحة صادمة أحيانًا، وذلك على عكس زيف الواقع الحالي.


الفرق بين صائغ الأسئلة وصائغ الذهب شاسع رغم اشتراكهما في "الصياغة". فالأخير يكسب من عمله، ويجني ثمار جهده المادي، بينما الأول يعذب في حيرة الأسئلة التي يطرحها ويبحث عن إجاباتها، في طريق من العناء الفكري قلما يقدره أحد.


الإنسان الحقيقي يرى بالبصر والبصيرة، يدرك المعاني الخفية ويستوعب ما وراء الظواهر. أما البني آدم فيرى بالبصر فقط، مقصورًا على السطحيات والماديات. وهناك الكائنات الهلامية، التي لا ترى لا بالبصر ولا بالبصيرة، غارقة في جهلها التام، تعيش في حالة من العمى الروحي والفكري.


أسوأ أنواع القهر على الإطلاق أن يأتيك القهر من مقهور مثلك. فهذا يزيد من مرارة الظلم ويضاعف من الشعور بالخيانة، فكيف لضحية أن تتحول إلى جلاد.


صحيح أن الإنسان الآلي يقدر على إنجاز مهام عديدة ومعقدة بدقة وكفاءة، ولكن في النهاية، هو مجرد آلة مصنوعة على يد أبيه الذي في المعمل. يبقى الإبداع الحقيقي والوعي الأصيل ملكًا للخالق وحده.


كثيرون يكرسون حياتهم للبحث والقراءة والكتابة، سعيًا وراء السعادة. ولكن للأسف، أثناء هذا البحث المضني، ينسون ويضيعون أنفسهم في متاهات خارجية. عذرًا، تمسك بنفسك واسعد بها من الداخل؛ لأن السعادة الحقيقية تنبع معظمها من دواخلنا، بينما تبقى المحفزات الخارجية مجرد عوامل مساعدة عابرة.


إلى من يحملون بعض الإنسانية الضائعة في هذا الزمن الصعب، لا تحزنوا أبدًا لأنكم مختلفون عن الآخرين وعن السائد. فنحن نعيش الآن، بحسنا المرهف وقيمنا الأصيلة، كالغريب في بيته، محاطين بما لا يشبهنا.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.