📜 صوت الجسد العاري

 

📜 صوت الجسد العاري

✍️ قصة قصيرة بقلم: محسن عباس



ظلت تتحدث في الهاتف لمدة خمس دقائق، انفجر فيها غضبها وكلماتها فيضاً من اليأس والقلق.
تفوهت بأشياء تعكس فوضى حياتها الداخلية، لكن لم تجد جواباً،
مما دفعها للسؤال بصوت متوتر:
"فين ده؟"

على الطرف الآخر، جاء صوت فارس هادئاً وثابتاً:
"النمرة غلط."

قالت بصوتٍ يرتجف:
"أنا عارفة إنك ما تعرفنيش، بس اللي جوايا كان لازم يطلع وإلا كان هيحصل لي حاجة..."

تدخل فارس بلهجة حاسمة:
"ممكن أطلب منك طلب؟"

قالت:
"اتفضل."

بدأ فارس بتوجيه الأوامر:
"اقلعي الجزمة الكعب العالي. دي بتزود التوتر."
أجابت هيام بصوت متغير: "... حاضر."
ثم تابع: "فكّي البنطلون شوية. واقعدي قدام البلكونة. اقلعي البلوزة عشان تشمي هوا."

استمر فارس في توجيهها، وكانت تستجيب.
"عندك بانيو؟ امليه مية فاترة. لا هي سخنة ولا هي باردة. واقعدي فيه."
بعد دقائق، عادت إلى الهاتف بصوت خفيض ومهدّأ.
قال فارس: "تمام. نامي. ونكمل بكرة."


في الصباح، تحدثت هيام بهدوء:
"من أنت؟"

أجاب فارس ببرود:
"أنا بأعرف أقرأ الضغط والتوتر من الصوت فقط.
أنا ما شفتكيش، أنا سمعت صوتك."

تنهدت هيام:
"أنا هسميك فارس."
وافق فارس:
"أنا موافق. أنا هسميكِ هيام. بس اسمعي... أمس كنتِ في البيوتي سنتر لموعد الساعة السابعة.
هو اتصل وقال: مش هقدر أجي، عندي ظروف. ده كل اللي حصل."

ارتجف صوت هيام:
"مستحيل! أكيد تعرفني! من أين عرفت كل هذا؟"

رفع فارس صوته:
"فتحٌ من الله. أنا مجرد محلل، بأقرأ اللي في كلامك وصمتك. أنتِ أكبر من الموقف ده."


في مكالمة تالية، انهارت هيام باكية، تعترف لجرحها القديم:
"أنا عشت في أسرة مفككة... عملت خطأ لجذب الانتباه.
في طفولتي، قمت بالتصوير بقميص نوم شفاف يكشف تفاصيل جسدي...
فكبرت وفاكرة أن الإثارة هي الطريقة الوحيدة للحصول على الاهتمام."

تابعت:
"واتجوزت رجل أعمال كبير وثري جداً. ورثت الشركة منه.
لكن زواجنا كان بارداً. أنا غنية، لكن عطشى للإثبات،
يدفعني إلى المبالغة في عرض الأنوثة والبحث عن الشغف.
لغاية ما قابلت سعيد، المتزوج..."

قاطعها فارس بهدوء:
"ده مش حب. ده بحث عن الأمان منكِ. وهو بحث عن الجنس منه.
أنتِ ما زلتِ ضحية."


بعد مكالمات عديدة وطويلة، التقت هيام بفارس في كافيه راقٍ.
كانت هيام ترتدي فستاناً ضيقاً يبرز تفاصيل جسدها الكيرفي وجمال صدرها بجرأة.
نظرت إليه بذهول:
"مستحيل تكون أنت اللي بتكلمني! أنا... أنا كنت متخيلة شخص تاني خالص."

أجاب فارس بابتسامة باردة:
"أنا فارس. محاسب مالي، خرجت على المعاش. كنتُ مجتهداً وأُقدّر الهدوء والتحليل."

نظر فارس إلى ملابسها ببرود، ثم قال بلهجة حاسمة:
"ملابسكِ لا تثيرني. هذه ليست الطريقة التي تحصلين بها على اهتمامي أو احترامي كشخصية.
أنا هنا لأقابلكِ ككيان، وليس كجسد."

قالت هيام بانفعال:
"محاسب حكومي؟ أنتَ ما أحتاجه. حسابات شركتي معقدة. هل تقبل العمل في الشركة؟"
أجاب فارس:
"أوافق. لنذهب إلى مكتبكِ لنبدأ في قراءة الأرقام."


في مكتب هيام الفاخر، مرت أيام من العمل الجاد.
تأكدت هيام من كفاءته وأمانته، وقام بحل مشكلة الحسابات بالكامل.
أغلق فارس ملفاً، واتجه إليها قائلاً بنبرة إنجاز:
"تم حل مشكلة الحسابات، وتم وضع نظام يمنع تكرار الأخطاء.
شركتكِ الآن مستقرة مالياً يا هيام."

وقفت هيام بفرحة، واقتربت منه بحماس:
"أخيراً! أنتَ مُعجزة!"
ربّتت على كتفه بدفء:
"نتغدى سوا النهارده احتفالاً. نخليه هنا؟"
أجاب فارس:
"نعم، هنا. أنا أفضل الهدوء."

بعد الغداء، جلست هيام مرتاحة، تنظر إليه بجرأة:
"فارس... الأمان اللي زرعته فيا، خلاني ما أشوفكش إلا محلل وصديق... ممكن أقعد براحتي أكتر؟"
قال فارس بهدوء متزن:
"اتفضلي."

خلعت حذاءها، ثم جلست بوضع مريح.
قالت هيام بابتسامة جريئة:
"أنا طول عمري لما بأعمل كده، بأقصد شيء.
لكن معاك، حاسة إني مرتاحة لدرجة إني نسيت أنا لابسة إيه."

تمسك فارس بالهدوء:
"طالما أنتِ مرتاحة، خلاص. بس لغاية هنا.
هذا الأمان يجب ألا يُفهم كدعوة."

سألت هيام بخفوت:
"هل أنا شمال؟"

أجاب فارس بصوت عميق:
"أنا هنا عشان أرفع من قيمتكِ، مش عشان أقلل منها."


مرت أسابيع.
فارس أصلح حسابات الشركة، وتخلصت هيام من علاقتها بسعيد.
جلست هيام بثقة وحنان:
"أنا مش محتاجة أدور يا فارس... أنا ما عنديش استعداد أخسر فارس المُحلل، ولا فارس المحاسب، ولا فارس الصديق."

اقترب فارس، وبدا عليه توتر غير معهود:
"أنا كمان مش عايز أخسرك. أنا... أنا عايزك زوجة يا هيام."

تراجعت هيام، نظرت إليه بعمق، ثم ابتسمت بمرارة:
"أنت رائع، يا فارس.
أنت الأمان.
لكن أنا شبعت من الأمان البارد.
أنا بدور على الإشباع الكامل...
وأنت عمرك مش هيسمح بده.
أنا آسفة. ما ينفعش أكرر غلطة الزواج الأول تاني."

نظر إليها فارس، وظهرت خيبة أمل، تبدلت إلى فهم عميق:
"عندكِ حق. ما كنتش عايز أكرر لكِ الألم...
والأهم، ما كنتش عايز أكرر غلطة زوجك الأول."

اقتربت منه ووضعت يديها على صدره:
"أنا محتاجة صديق وأمان منك أكثر.
أنا بحبك يا فارس، لكن بالطريقة اللي أنت خلقتني عليها."

احتضنها فارس بحرارة، وقال بصوت متهدج:
"هذا عناق للأمان.
هذا الأمان هو مكافأتي يا هيام.
أنتِ أصبحتِ أكثر أمانًا مني... وأكثر صدقًا معي."


النهاية

جلست هيام وحيدة بعد رحيل فارس،
تدرك أن معركتها لم تكن مع ماضيها،
بل مع احتمال أن يتحول هذا الأمان إلى حب حقيقي،
لم تكن جاهزة لخوضه.

نهضت ببطء، اتجهت نحو النافذة،
شدّت برنس الحمام حول جسدها المثير،
شعرت ببرودة المكان،
وظلت واقفة، تنظر إلى الخارج،
بينما يغمرها إحساس عميق بالوحدة المطلقة...
رغم كل شيء.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.