حوار الروح والأفكار العاشقة


  • حوار الروح والأفكار العاشقة

=========

حين شرعتُ في الكتابة إليكِ

شرعتُ في الكتابة إليكِ،
وما إن لامست أصابعي أول حرف،
حتى اهتزّ القلم فرحًا،
وانفلتت الأفكار من عقالها كأسرابٍ من الضوء،
تتناثر حولي وتغني بنشوةٍ غريبة،
كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ دهرٍ طويل.

قالت إحداهنّ بصوتٍ كالموسيقى:
"دعنا نرحل نحوها،
فربما تطلّ علينا بنظرةٍ واحدة،
نظرةٍ تجعل الكلمات تتفتّح وردًا في الصدر."

قلتُ لها متمهّلًا:
"لا تستعجلوا الرحيل،
دعونا أولًا ننسج خيوطًا من الحنين،
خيوطًا ذهبيةً تمتدّ من القلب إلى عينيها،
فإذا وصل النور بالنور،
عرفت أرواحنا الطريق إليها."

لكن الأفكار ضحكت بمرحٍ طفولي وقالت:
"أي خيوطٍ تريد؟
إنّ نظرةً واحدةً من عينيها
كفيلةٌ أن تحيلنا إلى لآلئ مرصّعة،
ونصبح قلائدَ تتدلّى حول عنقها،
ونعيش الأبد في دفء أنفاسها!"

فصمتُّ،
ورأيتني عاجزًا أمام طغيان الجمال.
كانت الأفكار أكثر عشقًا مني،
وكانت تعرف الطريق إليها دون دليل.

اقتربت مني فكرةٌ خجولة،
وضعت يدها على كتفي وقالت برفق:
"لا تغضب، نحن منك،
وصمتك يُجمّدنا في الحروف،
يحبسنا بين النقاط والفواصل،
ونحن نريد أن نحيا،
أن ننطلق عبر أثير الخيال نحوها،
حيث يختبئ الضوء خلف جفنٍ من غياب."

قلتُ: "لعلها الآن غائبة،
ربما مشغولة بشؤونٍ لا نعرفها."

فقالت الفكرة، وهي تبتسم بحنوٍّ عجيب:
"نحن للغائبة حاضرون،
وفي نسيانها مذكورون،
نعيش في ظلّها وإن لم تذكرنا،
ونزهر حين تتذكرنا صدفةً،
كأنّ الذكرى مطرٌ يهطل على صحراء النسيان."

قلت: "إذن، اذهبوا إليها،
واطرقوا باب الروح برفقٍ كنسمة فجر."

فضحكوا وقالوا بصوتٍ واحد:
"أيّ بابٍ تريدنا أن نطرقه؟
هي لا تملك أبوابًا لنا،
هي روحٌ منفتحة على الحلم،
ترانا قبل أن نصل،
وتشعر بنا قبل أن نُفكر في المجيء."

فقلت: "سلامًا عليكم إذن..."

وما إن نطقت الكلمة،
حتى رأيتهم يرقصون فرحًا في فضاءٍ من ضوء،
ينطلقون في اتجاهٍ واحدٍ نحوها،
كأنهم وجدوا خلاصهم،
كأن الحروف تحوّلت إلى أجنحةٍ من حرير،
تحملهم عبر مسافاتٍ لا تُقاس بالزمن.

فهنيئًا لهم بكِ،
يا من جعلتِ للكلمات وطنًا،
وللأفكار صدرًا يحتضنها بلا خوف.

هنيئًا لهم إذ يصلون إليكِ،
ويهتفون باسمك في صمت،
ويغزلون من حضوركِ لحنًا لا ينتهي.

أما أنا،
فسأبقى هنا،
أرقب رحلتهم من بعيد،
وأصغي إلى صداهم وهم يتهامسون باسمكِ،
وأكتفي بأن أكون شاهِدًا على جمالٍ لا يُوصف،
وعشقٍ لا يُكتب إلا إليكِ.

سلامٌ عليكِ،
يا من صرتِ للعاشقين قِبلة،
وللكلمات نورًا،
ولقلبي — إن ضلَّ — طريقَ الطمأنينة.

سلامٌ عليكِ،
يا ملكةَ المسرورين.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.