🎬 ألسِنَة اللَّهب – قراءة نقدية في بنية السلطة وقهر الإنسان

🎬 ألسِنَة اللَّهب 

– قراءة نقدية في بنية السلطة وقهر الإنسان

بقلم: محسن عباس

=======


شاهدتُ فيلم ألعاب الجوع: ألسنة اللهب، بطولة جينيفر لورنس، جوش هوتشرسن، ليام هيمسورث، وودي هارلسون، إليزابيث بانكس، ليني كرافيتز، ستانلي توتشي، ودونالد ساذرلاند. الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتبة سوزان كولنز، وإخراج جاري روس، وموسيقى جيمس نيوتن هوارد.

🔥 الدولة… عندما تصنع الجوع وتصنع البطولة معًا

ينتمي الفيلم إلى عالم الخيال العلمي، لكنه في الحقيقة مرآة سياسية صادمة. دولةٌ ثار شعبها، فتُطلق الحكومة على الثورة اسم “الحرب الشنيعة”— لغة السلطة التي تعيد تعريف الحقيقة لتناسب مصلحتها، زاعمة أنها “أطعمت الشعب وأحبّته وحمته”.

بعد سحق الثورة وتثبيت الحكم المركزي، قررت السلطة أن تضمن ألا يتكرر عصيان الشعب. فحوّلت كل مقاطعة من المقاطعات الاثنتي عشرة إلى ساحة عقاب سنوي: تُقدّم فتى وفتاة ليتقاتلا حتى الموت في عرض احتفالي تُسميه الحكومة “تكريمًا للشجاعة والتضحية”.

حقيقة الأمر: طقس دموي لإذلال البشر وتذكيرهم بأن حياتهم ليست ملكًا لهم.

🎭 السيريالية والبورتريه والبروفايل… سينما ترسم السلطة بالفرشاة

اعتمد صناع العمل بناءً بصريًا فريدًا:

  • السيريالية في ملابس العاصمة ومكياجها وأدائها، لتبدو شخصياتها كائنات كرتونية منفصلة عن الواقع، تعيش عالمًا زائفًا يمتلئ بالترف والعبث.

  • البروفايل في تناول الشعب والمقاطعات: ظلٌّ للإنسان، ضوء يُلمّح ولا يكشف، بؤسٌ لا يحتاج لكلمات.

  • البورتريه في شخصية الرئيس، الذي جُسّد كأنه “الأب الحاكم، الحكيم، الإله الصامت” المسيطر على الكون كلّه.

هذا الانقسام التشكيلي بين العاصمة والشعب ليس مجرد جماليات؛ إنه تصوير فلسفي لطبقات القهر.

🖥️ حداثة لامعة تُشرف على موتٍ بدائي

تبلغ السينماتوغرافيا ذروتها في غرفة التحكم، حيث تُدار مبارزات الجوع بأحدث تقنيات الحاسب. هنا تتعانق ما بعد الحداثة مع الوحشية الأولى: تكنولوجيا تصنع الموت، وطبقة حاكمة تعدّل “قدر” البشر بضغطة زر.

هذا التناقض المتعمد أحد أقوى ملامح الفيلم.

🏛️ المركزية القاتلة… حين تتحالف الدولة والنخبة ضد الإنسان

تصنيف الفيلم كخيال علمي محاولة خجولة للهروب من حقيقة واضحة:
إنه ببساطة فيلم عن الحكومات المركزية التي تخنق الإنسان وتغلق أبواب الترقّي الاجتماعي أمام الشعب، بينما تفتحها فقط للنخبة المختارة— النخبة التي لا قيم لها إلا تبادل المصالح وإشباع اللذات.

الشعب من وجهة نظرهم:
مجرد خدم، مستهلكين، أرقام بلا إنسانية.

🎥 إبداع متكامل… حين يتوحّد كل صانع فيلم مع الفكرة

هذا من الأفلام النادرة التي يتضح فيها إيمان كل فرد من فريق العمل بالفكرة المركزية.
الإخراج متفانٍ، التصوير مذهل خاصة في التقاط الانفعالات العميقة لجينيفر لورنس، والماكير (الجندي المجهول) صنع بورتريهات للشخصيات تُدرَّس.

الديكور، الحركة، الموسيقى— كلها عناصر أصبحت جزءًا من خطاب الفيلم لا زينته.

👩‍🦰 جينيفر لورنس… ليست ممثلة هنا، بل إنسان يحارب السلطة

أقل ما يُقال عنها إنها ذابت تمامًا في شخصية كاتنيس إيفردين.
نزعت أنوثتها، تنازلت عن جمالها، وخلعت كل مظاهر الصورة النمطية للممثلة العالمية. لم تمثل؛ كانت تنفّس الشخصية نفسًا نفسًا.
هذا واحد من أصدق الأداءات الأنثوية في سينما العقد الأخير.

🇪🇬 ملاحظة شديدة الأهمية

الفيلم إنتاج 2012… لكن من يركّز في فكرته سيجده أقرب إلى الحالة المصرية:
تحالف الحكومة والنخبة ضد الشعب؛ رغدٌ فوقي يقابله قهرٌ سفلي؛ سلطة تعتبر المواطنين رعايا ناقصي الأهلية، لا أصحاب حق.


📝 خلاصة القول

ألسنة اللهب ليس فيلمًا للمتعة فقط، بل بيانٌ سياسي – فلسفي عنفواني.
عمل يستحق الاقتناء، لا المشاهدة فقط.
وهو برهان على أن السينما يمكن أن تصبح آلة كاشفة لقهر الإنسان… ولإصراره على البقاء إنسانًا رغم كل شيء.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.