الزحام والحب المفقود

الزحام والحب المفقود
============





حين يغضب القلب من الحب...

غضبتْ مني حين قلتُ لها:

"يجب أن نبتعد قليلًا،
أن نمنح قلوبنا إجازة قصيرة،
لعلّ الحنين يعود أكثر نضجًا واشتياقًا."

لم تفهم أن البعد ليس نهاية،
بل بداية جديدة.

في بعض الأحيان،
لا نرى الأشياء على حقيقتها إلا حين نبتعد عنها.
فالقرب الدائم يُطمس التفاصيل،
بينما المسافة تتيح للقلب أن يتأمل ويشتاق،
ويكتشف الجمال من جديد.


الحب... كائن متمرد

إنّ البعد لا يعني القطيعة،
بل ربما يكون ميلاد إحساسٍ جديد، أكثر صفاءً وصدقًا.

الحب كائن متمرد،
يشبه الطفل الصغير في اندفاعه وفضوله.
يملأ المكان ضجيجًا وحياة،
ثم يعبث بكل شيءٍ حوله،
ولا يعرف الغاية مما يفعل،
فهو يظن أنه صاحب كل شيء.

وحين يشعر أنّ بعض الأشياء لا تنتمي له،
يتمرّد ويغادر.
وقد يختفي بعض الوقت،
لكنه يعود دومًا — كما يعود الأطفال —
أكثر صفاءً، وأكثر شوقًا.


زحامٌ يخنق القلوب

الحب لا يموت، لكنه يختنق أحيانًا.
وأشدّ ما يخنقه هو هذا الزحام الرهيب الذي يملأ حياتنا.

الشاشات تحاصرنا،
الأخبار تلاحقنا،
والصخب لا يترك مساحة للتنفس.

أين يتحرك الحب
وسط ساعات العمل الطويلة،
وساعات البث الفضائي،
وساعات التواصل الرقمي؟

لقد تحوّل الإنسان إلى ظلٍّ يتحرك داخل شاشة.
تلاشت النظرات الصافية،
وغابت العيون التي تتحدث بصمت،
وغابت الدهشة الأولى حين يلتقي قلبان.


حبٌ في زمن التكنولوجيا

لقد اغتصبت التكنولوجيا أجمل ما فينا — الإحساس.

صارت العواطف تُختصر في رسالة قصيرة،
أو "إيموجي" باردٍ لا دفء فيه.

وإذا أراد الحب أن يرى نفسه اليوم،
رآها مشوّهة في كليبٍ صاخب،
أو أغنيةٍ هابطة،
أو مشهدٍ تافه يُتاجر بالعاطفة وهو يقتلها.

ليست هذه فنونًا تعبّر عن الحب،
بل إساءات تُشوّه صورته،
وتدعو لتدنّي الذوق بدل أن ترتقي به.


حين يطلب الحب إجازة...

الحب ليس غريبًا عنّا،
لكننا غرباء عنه.

هو لا يطلب الرحيل لأنه ملَّ،
بل لأنه يودّ أن يُذكّرنا بقيمته،
أن يقول لنا بهدوء:

"أفسحوا لي مكانًا،
ولو لدقائق، في هذا العالم المزدحم."

ولهذا — قلت لها —
فلنبتعد قليلًا، لا هربًا من الحب،
بل حفاظًا عليه.

ليست الإجازة فراقًا،
بل مساحة للتأمل.
فسحة نعيد فيها أنفاسنا قبل أن نختنق.


في النهاية...

ربما حين يغيب أحدنا،
يشعر الآخر بقيمة حضوره،
ويكتشف كم كان الامتلاء به جميلًا.

ربما حين يرحل الحب مؤقتًا،
فإنه يمنحنا فرصة أن نراه من جديد بعيونٍ أكثر وعيًا.

فدعونا نمنحه تلك الدقائق،
نغلق فيها الشاشات،
ونفتح القلوب،
ونتذكر أن الحب لا يعيش في الضوضاء،
بل في الصمت الذي تتنفسه الأرواح معًا.


✤ سلامًا للحب... حين يختار الغياب ليُعلّمنا معنى الحضور. ✤


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

مولانا تصميم ahmad fathi © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.